دراساتصحيفة البعث

الشعب الليبي ينتظر حلاً سياسياً هذا العام  

ريا خوري

ما يجري في ليبيا دفع  العديد من الأطراف للبحث عن حل سياسي، وكانت روسيا قد أعربت عن دعمها القوي لتحقيق وحدة وسيادة ليبيا ورفضت ومعها الدول العربية أيّ حل عسكري، حيث تمّت الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في البلاد بأسرع ما يمكن.

فقد جاء في البيان المشترك الصادر عن الدورة السادسة لمنتدى التعاون العربي الروسي على مستوى وزراء الخارجية الذي عُقد في الثاني من شهر كانون الأول ٢٠٢٣ في مدينة مراكش بالمملكة المغربية، أن وزراء خارجية الدول العربية وروسيا متمسكون بوحدة وسيادة ليبيا وسلامة أراضيها، ورفض التدخل الخارجي في شؤون البلاد.

من الواضح أن هناك جهوداً حثيثة تعمل ليل نهار محاولةً إيجاد حلّ  للمسألة الليبية الشائكة، مع وجود تعارض واختلاف بين أطراف داخلية وأطراف خارجية حول المرامي والأهداف المرجوة، وبينما يدفع بعض هذه الأطراف للسير وفق الاتجاه الذي حدّدته هيئة الأمم المتحدة وأيّدته الأطراف العربية المتابعة للقضايا الليبية، هناك مَن يحاول أن يضع العصيّ بالعجلات في محاولة لإفشال أي جهود للحل المنشود.

فمنذ ما يزيد على أحد عشر عاماً تعيش ليبيا حالةً صعبة من عدم الاستقرار، تخللتها حروب طاحنة ومواجهات دامية اتسمت بالشراسة بين الأطراف المتنازعة، واستفادت المنظمات الإرهابية والمرتزقة من حالة الفوضى العارمة، واستخدمت الساحة الليبية وخاصة في جنوب ليبيا لتهريب السلاح والذخائر والأشخاص والعمليات اللوجستية، ولإيواء المطلوبين من مرتكبي جرائم وحشية، وإنشاء معسكرات لتكون قواعد ومراكز تدريب. كل ذلك ساهم في زيادة معاناة الشعب الليبي والضغط عليه وعلى حياته المعيشية على الرغم من غنى ليبيا بالخيرات والثروات والطاقات.

الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تتدخل بشكلٍ سافر في ليبيا عبر مبعوثها الخاص ريتشارد نورلاند، وهو موجود في ليبيا بشكلٍ مكثف في هذه الفترة، وتصريحاته المتتالية تؤكد دعم مبادرة هيئة الأمم المتحدة، وخاصة العناوين العديدة التي جاءت في التصريح العلني الذي صدر عن رئاسة مجلس الأمن الدولي  في الرابع من شهر آذار العام الماضي، لكن التسريبات التي وصلت إلى عدد من الجهات المتابعة للشأن الليبي، ونشرتها عدة وسائل إعلام لحظت أن أولويات الولايات المتحدة الأمريكية تختلف عما يُعلنه مبعوثها الخاص، مع العلم أنها كانت قد دفعت بعض الأطراف الليبية إلى رفض بنود في قانون الانتخابات في الماضي، كما حاولت ولا تزال تحاول حفظ مصالحها في ليبيا في مواجهة تصاعد نفوذ روسيا فيها.

لقد تزايدت المشكلات والأزمات في ليبيا نتيجة عدم الاستقرار وما تعانيه من مستجدات تتعلق بطلب تأليف حكومة وحدة وطنية تشرف على الانتخابات، لكن عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة الحالية رفض وما زال يرفض الاقتراح، لأن اتفاقيات جنيف الصادرة مطلع عام 2021م التي تضمّنت 12 بنداً، ركّزت على أبرز القضايا التي من شأنها تعزيز التهدئة من أجل الاستقرار والتوصل لهدنة دائمة. وتم إسناد تنفيذ بنود هذه الاتفاقية الاثني عشر إلى اللجنة العسكرية المشتركة، التي أُطلق عليها (لجنة 5+5)، في إشارة إلى الأعضاء الخمسة الذين يفترض أن يمثلوا كلاً من الطرفين العسكريين المتحاربين، حيث اعتمدت آلية تنسيق لانسحاب القوات الأجنبية من البلاد بالتعاون مع النيجر والسودان البلدين المجاورين، بحضور جميع الأعضاء من البعثة وممثلين عن دول مجموعة العمل المنبثقة عن مؤتمر برلين الذي عُقد في التاسع عشر من كانون الثاني عام ٢٠٢٠م، على أن يكون مقر اللجنة الرئيسي مدينة سرت الليبية.

وعلى الرغم من مرور ما يقارب العقد على اغتيال العقيد معمر القذافي والتدخل العسكري السافر لحلف شمال الأطلسي (ناتو) للإطاحة به، لم تشهد ليبيا أيّ استقرار بل صارت ساحة صراع للميليشيات المسلحة المتنافسة على السلطة، التي استدعت بدورها قوى إقليمية ودولية ما حوّل البلاد إلى ساحة نزاع إقليمي وحروب تُخاض بالنيابة. فقد تجمعت منذ عام 2014 العديد من الجماعات والميليشيات المتنافسة على السلطة في ليبيا تحت معسكرين متحاربين ومتصارعين تمثلهما سلطتان متنافستان، هما حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز مصطفى السراج رئيس المجلس الرئاسي الليبي ورئيس الوزراء السابق في حكومة الوفاق الوطني، والتي تشكّلت في 17 كانون الأول عام 2015 بناءً على الاتفاق السياسي الليبي، وحكومة الوفاق معترف بها دولياً وتستند إلى دعم ميليشيات المدن الغربية، وجماعة الإخوان المسلمين، وميليشيات إسلامية في العاصمة طرابلس، فضلاً عن بعض القبائل التي تسكن في جنوب ليبيا، مقابل سلطة الجنرال خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا، الذي تسيطر قواته التي تطلق على نفسها اسم (الجيش الوطني الليبي) على كامل المناطق الشرقية وبعض المناطق في جنوب ليبيا وتحظى بدعم البرلمان القائم في مدينة طبرق الليبية، كما يحظى اللواء خليفة حفتر بدعم قطاعات واسعة من الجيش الليبي والقبائل الشرقية  في جنوب وغرب البلاد.

وهكذا ما زال الشعب الليبي ينتظر أن تستقرّ البلاد ويعمّ الأمن والأمان والاستقرار.