الأداء المريض!!
بشير فرزان
الحديث في قضية تهمّ المجتمع بأكمله ليس بالأمر السهل، وخاصة إذا كانت تتعلق بحصاد وزارة الصحة التي، رغم أهمية حضورها وحساسية دورها، لا يشعر الناس بوجودها بعد أن تركت “الحبل على الغارب” كما يُقال، فالفوضى تعمّ وتتفشى، سواء في المؤسّسات الصحية والدوائية التابعة لها أو في باقي الجهات العاملة في هذا القطاع (مشافٍ ومخابر وعيادات خاصة)، والأغرب من ذلك أن مكاتب الوزارة تعيش عقدة الإنجاز، وأنها تقوم بمهامها على أكمل وجه، وبدلاً من الاعتراف بتقصيرها تمعن في تقديم نفسها كحاضنة للصحة العامة، وأنها من أنشط وأنجح الوزارات بكافة مؤسّساتها، ولن يغيب هنا ما يتمّ تداوله عن لعنة النرجسية المتسلّلة إليها من باب الدعم والقوة التي تشكل خط الدفاع الأول عن تقصيرها، وعدم قبولها بأي شكل من أشكال النقد.
وما يثير القلق أن قناعة الجهات الرقابية في الوزارة لم تتغيّر رغم الشكاوى العديدة المتعلقة بارتفاع أسعار المعاينة الطبية والأدوية والمشافي الخاصة، وما يدعو للجدل أنها تؤكد في بلاغاتها المتعدّدة وتعاميمها لمديريات الصحة لإبلاغ المشافي الخاصة والمخابر الطبية ودور الأشعة والعيادات الطبية بضرورة التقيّد بالتعرفة المحدّدة ومن قبلها، وما يدين أداءها أكثر ويثبت تقصيرها طلبها بتكثيف الجولات الرقابية للتأكد من الالتزام بقراراتها، وطبعاً كلّ ذلك مجرد حبر على ورق!
ولا شكّ أن العودة إلى الواقع ومعرفة الأرقام التي يتمّ تقاضيها علانية من المرضى يضع وزارة الصحة أمام مسؤولية كبيرة جداً، كون أرقامها افتراضية غير موجودة إلا في الخيال الوزاري، فالأسعار تحلّق والفوضى تدكّ صحة الناس على مدار الساعة، ومعاينة طبيب لمدة 10 دقائق توازي أو تساوي ما يتقاضاه الموظف في أسبوع، فليس هناك أي نوع من أنواع الالتزام الأخلاقي أو القانوني، بل على العكس تماماً ضعف أداء الوزارة بمؤسّساتها المختلفة شجّع على الاستثمار التجاري في الصحة دون مراعاة لأوجاع الناس وآلامهم، وما يزيد معاناة الناس أن اللجوء إلى المشافي العامة يكون أقرب إلى “الخروج من تحت الدلف إلى تحت المزراب”، حيث لا يؤمّن المشفى إلا السرير، أما الأدوية وباقي المستلزمات فيتمّ الحصول عليها من السوق، حيث يطلب من المريض شراءها وتأمينها، وهنا يقع في متاهة الابتزاز والاحتيال على أوجاعه، ويضاف إلى ذلك النقص الشديد في الكوادر الطبية.
رغم ذلك كله، لا يمكن لأحد أن يلغي حقيقة وجود الحلول في حال توفر الكفاءة والجدية في التعاطي مع هذا الملف، فتعديل التعرفة بشكل عقلاني يحقّق مصلحة الطرفين، ولكن بشرط المراقبة الفاعلة والمحاسبة الصارمة لأي مخالفة ترتكب.. فهل وزارة الصحة قادرة على الاستجابة والتنفيذ، أم تستمر حالة اللامبالاة تحت مسميات مختلفة، في وقت تؤكد المعطيات والمؤشرات جميعها حقيقة أن الصحة ليست بخير؟!