الإعلام الحزبي والحداثة الحزبية
علي اليوسف
لا يمكن لأحدٍ أن ينكر دور الإعلام الحزبي في مراحل مختلفة من تاريخ سورية، فقد قام هذا الإعلام بأدوار كبيرة في بث الشعور الوطني، وتأكيد الهوية الوطنية السورية ضد التأثيرات الكولونيالية من خلال الإضاءة على المشاريع الوطنية الكبرى، التي كانت عنواناً لانخراط الدولة السورية في التحديث، ومجابهة كل الأنساق التي كانت تشدّ المجتمع إلى الوراء.
وحتى أثناء الحرب الإرهابية على سورية، كان الإعلام الحزبي في مقدّمة معارك مواجهة تدمير الدولة السورية، وهذا ليس بغريب على من رافق مشاريع التحوّلات الكبرى منذ تسعينيات القرن الماضي، بل إن الإعلام الحزبي كان يصنع رأياً عاماً عريضاً، لدرجة أن معظم وسائل الإعلام المهيمنة على الفضاءين السمعي والبصري كانت عاجزة عن مجاراة الإعلام الحزبي في تشكيل قناعات الرأي العام.
واليوم، الإعلام الحزبي، بصفته هذه، وبتاريخه، وبإمكاناته الذاتية، وبوعي كوادره ومؤسساته والتزامهم الوطني والعروبي نراه يتجه نحو تطوير النقاش في موضوع الانتخابات الحزبية للوصول إلى الجمهور بشكل عام بما يحقق وصول أفكار الحزب ومواقفه وسياساته بشكل أكبر وأكثر فعالية، ليس فقط لأعضاء الحزب وإنما لشرائح المجتمع جميعها، لأن الطموح المأمول الآن هو دخول مرحلة الحداثة الحزبية التي لها علاقة وطيدة مع الانفتاح على تقنيات التواصل الحديثة بمقاربة تواكب تطوّر البنيات الفكرية والمنظومات التواصلية في العالم.
إن الإعلام الحزبي هو الحالة التي نستطيع فيها نحن، البعثيين لنا أيديولوجية ومواقف وأفكار وقناعات سياسية وثقافية واجتماعية وقومية ووطنية، أن نجسّد هذه القناعات من خلال الإضاءة على المشاركة الواعية والمسؤولة للناخبين الحزبيين في استحقاق الانتخابات الحزبية الحالية، وأن نطرح موضوع الانتخابات بعيداً عن الأطر التقليدية، من خلال التوظيف الفعّال لهذا الموضوع، ونقل الأفكار والتصوّرات التي يحتاجها المجتمع والدولة إلى الفعل الحزبي، لأن هذه التصوّرات تستمدّ هويتها وقوّتها من الجماهير التي تؤمن بالتغيير في أفق الحداثة، فالإعلام الحزبي يتطلب اليوم المهنية، ويشترط تكويناتٍ ضرورية في تقنيات التواصل والاستقطاب لناخبيه وقياداته حتى يكتسبوا مهاراتٍ تواصلية قادرة على أن تجعل الجميع في صلب هذا الحراك الإعلامي بكل امتداداته، كي يكون الخطاب الحزبي أكثر تأثيراً، وفقاً لما تتطلبه الممارسات الحزبية الحديثة التي تهدف إلى إطلاع الحزبيين والمواطنين على المستجدات الحزبية والتصوّرات والمواقف والتحليلات السياسية والآراء الحزبية والنقاش في مواضيع ذات اهتمامات مشتركة، وكذلك التعريف ببرنامج الحزب.
من هنا، من الطبيعي أن يكون دور الإعلام الحزبي في الإمداد بالمعلومات على قدر كبير من الأهمية لكون الوظيفة الإخبارية للإعلام الحزبي المقترنة بالشفافية والوضوح، تمثل أبرز الوظائف الأساسية التي يقوم بها، وتزداد أهمية هذا الإعلام خلال أوقات التحوّلات السياسية والاستحقاقات الديمقراطية والانتخابات، حينما تتزايد الحاجة للمعلومات حول القضايا التي يطرحها الحزب.
فالإعلام يجب أن يأخذ دوره الحقيقي في كونه موجّهاً للحراك الجماهيري، وناقلاً واعياً للصورة الحقيقية التي ينبغي أن يكون عليها الأداء الحزبي، وهذا يقتضي بالمحصّلة أن يكون الإعلام الحزبي رائداً في توعية جمهور الحزب حول أهمية الانتخابات في اختيار من يمثّلهم، لأن عليه في النهاية أن يتحمّل مسؤولية اختياره، وبالتالي يجب على الناخب أن يعرف لمن سيعطي صوته في هذا الاستحقاق الديمقراطي، وأن يتحمل مسؤولية خياره.