دراساتصحيفة البعث

التوتر في البحر الأحمر يشعل المنطقة..

ريا خوري

لم تتوقّف النبرة العالية التي يستخدمها الجيش اليمني واللجان الشعبية في مواجهة القوة العسكرية البحرية الأمريكية والبريطانية التي عمدت إلى قصف مواقعه، حيث أكّد غير مرة أنَّه لم يكن هناك أي خطر على الملاحة الدولية في البحر الأحمر والخليج العربي، والاستهداف كان وسيبقى يطول السفن (الإسرائيلية) أو تلك السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة.

تلك العملية زادت من حدَّة الموقف الدولي، حيث دخلت المنطقة مرحلةً جديدةً من التصعيد، مع مخاوف متزايدة من توسيع رقعة الحرب فيما يتجاوز الحرب الوحشية التي تشنّها قوات العدو الصهيوني على قطاع غزة، بعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بتوجيه ضربات بالصواريخ والطائرات على مواقع تابعة للجيش اليمني في صنعاء، والحديدة، وصعدة، شملت مطاراتٍ وقواعد عسكرية.

البيانات الصادرة عن الإدارة الأمريكية ووزارة الدفاع البريطانية أشارت إلى أنَّ الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية ربما لا تكون الأخيرة، وهذا دليل على تصميم تلك القوات على توجيه المزيد من الضربات، تحت ذريعة (حماية الملاحة البحرية) في البحر الأحمر، بينما ردّ اليمن بأنَّ الهجمات العسكرية تلك (لا مبرِّر لها)، لأنَّ الاستهداف الذي يقوم به (كان، وسيبقى يطول السفن الإسرائيلية، أو السفن المتجهة إليها فقط)، وأكّد بشدّة أن هذا (العدوان لن يردعه).

تلك المواقف تدلُّ دلالةً واضحةً على أنَّ منطقة البحر الأحمر تحوّلت إلى ساحة ساخنة للمواجهة الجديدة، هذه المواجهة تحمل الكثير من المخاطر على أمن دول المنطقة بشكلٍ خاص وأمن الإقليم بشكلٍ عام، وعلى سلامة الملاحة في هذا الممر المائي الاستراتيجي المهم، الذي يؤدّي دوراً رئيسياً في التجارة العالمية، إذ يعدّ أحد الطرق البحرية الرئيسية التي تربط بين قارة آسيا والشرق الأوسط والقارة الأوروبية، حيث تشير التقديرات والمعلومات المتوفرة إلى أن 10% من التجارة العالمية من حيث الحجم والقدرة، تستخدم هذا الممر المائي الاستراتيجي، ويشمل ذلك 20% من إجمالي شحن الحاويات التجارية، ونحو 10% من النفط الذي تحمله ناقلات النفط العملاقة، و80% من الغاز المسال.

لقد كان لتلك العملية العسكرية ردود فعل عالمية، حيث أدانت روسيا الاتحادية الضربات الجوية التي شنّها سلاح الجو البريطاني والأمريكي على اليمن، قائلةً: إنَّ العملية الجوية تؤدّي إلى تصعيد التوترات في الشرق الأوسط، وتظهر تجاهلاً تاماً للقانون الدولي والشرعية الدولية وقوانين البحار. لذا سارعت موسكو للدعوة إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي التابع لهيئة الأمم المتحدة، الجمعة 12 كانون الثاني، لبحث القضية.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قد شنّتا تلك الضربات فجر اليوم ذاته، بدعوى ردع الهجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر. وأعلنت الخارجية الروسية على لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها ماريا زاخاروفا أن القصف الجوي الأمريكي البريطاني على اليمن هو مثال آخر على انحراف الأنجلوسكسونيين عن قرارات مجلس الأمن الدولي والشرعية الدولية، وأنّ تلك الضربات تظهر بجلاء (تجاهلاً تاماً للقانون الدولي والشرعية الدولية والقوانين البحرية الدولية وتؤدّي إلى تصعيد الوضع في المنطقة).

الجدير بالذكر أنَّ البحر الأحمر ومضيق باب المندب يشكّلان ممراً حيوياً عالمياً  وفي حال تعطل الملاحة في هاتين المنطقتين، فإنَّ ذلك سيؤثر بشكلٍ سلبي وخطير في سلاسل الإمداد، وسيوجّه التجارة إلى رأس الرجاء الصالح، حيث تضطر السفن للإبحار حول القارة الإفريقية آلاف الكيلومترات، ما يزيد من كلفة النقل والتأمين البحري. ولأنَّ خطر المواجهة يتسع يوماً بعد يوم، وسقفها بات غير محدَّد، مع دخول الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا فيها مباشرة، فإنَّ الخطر يتزايد بشكلٍ متسارع، ومعه جميع الاحتمالات التي لا يمكن التنبّؤ بها.

من جهتها، جاءت دعوة روسيا الاتحادية إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث تداعيات القصف الأمريكي البريطاني، إثر القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي الذي يدين فيه هجمات القوات اليمنية على سفن في البحر الأحمر والمطالبة بوقفها، الذي حظي بموافقة أحد عشر عضواً وامتناع أربعة أعضاء عن التصويت، هي: الصين وروسيا الاتحادية وموزمبيق، والجزائر، وعلى الرغم من أنَّ روسيا الاتحادية لم تستخدم حق النقض الـ(الفيتو) على مشروع القرار، إلا أنَّ المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا، حذّر من محاولة إضفاء الشرعية القانونية على الإجراءات الحالية للتحالف الذي شكّلته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بعد وقوعها، وتحقيق مباركة مفتوحة لها في مجلس الأمن الدولي.

فقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) على لسان اللواء باتريك رايدر أن أكثر من عشرين دولة في المجمل وافقت على المشاركة في التحالف الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لحماية حركة التجارة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب من هجمات القوات اليمنية، موضحاً أنَّ أستراليا واليونان أعلنتا الانضمام إليه، في عمليةٍ أطلقت عليها الولايات المتحدة الأمريكية اسم (حارس الازدهار)، مع العلم أن أكثر من 12 دولة كانت قد وافقت على المشاركة في جهد سيشمل دوريات مشتركة في مياه البحر الأحمر بالقرب من اليمن.

وبالمحصّلة لا يتيح قرار مجلس الأمن الأخير الفرصة لشنّ هجمات على اليمن من خارج مجلس الأمن، وبالتالي فإن التصرّف الأمريكي البريطاني لن يكون مدعوماً من الأمم المتحدة، أي أن على واشنطن ولندن تحمّل تبعات هذا العدوان بالكامل، ولن يكون هناك استدراك من باقي الدول للعواقب التي قد تحيق بأمن الملاحة العالمية في المنطقة، لأن العسكرة جاءت من الغرب، بينما اليمن كان قد حدّد هدفه بوضوح وهو السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى فلسطين المحتلة.