عشرة أطباء زرع كلية فقط في سورية كلها.. وقوائم طويلة بانتظار المرضى
دمشق – لينا عدره
لا يمكن مقارنة النقص في أعداد أطباء زرع الكلية بما هو عليه في اختصَاصَي التخدير والأشعة، اللذين يعانيان بدورهما من نقصٍ حاد، ذلك أن المقارنة بين الطرفين غير عادلة كون النقص في اختصاص زرع الكلية تجاوزهما كثيراً مع وصول عدد الأطباء فيه إلى عشرة فقط على كامل مساحة الجغرافية السورية، لتنفرد دمشق وحدها بإجراء عمليات الزرع ضمن مراكزها الخمسة، مع غياب تام لهذا النوع من العمليات في باقي المحافظات، ما سبّب زيادةً في الضغط على العاصمة كونها هي الأُخرى تعاني من قلّة المراكز، التي تأتي في مقدمتها وحدة زرع الأعضاء في مستشفى المواساة، وهي وحدةٌ تُنجِزُ العدد الأكبر من عمليات الزرع، ويتحمّل فريقها الطبي أعباء كثيرة وضغوطاً تمتد لتشمل المريض الذي يتوجّب عليه انتظار دوره لمدةٍ قد تتجاوز خمسة أشهر، حتى لو أمَّن متبرعاً وحصل على الموافقة، وهي فترةٌ زمنية طويلة كفيلةٌ بتدهور وضعه، وربما خسران المتبرع خاصةً في حال كان غير قريب.
وقوائم انتظارٍ طويلة، إذ تشمل أيضاً المغتربين المرضى الذين وصل عدد من أجرى منهم عملياتِ زرعٍ إلى أكثر من 30 مريضاً، معظمهم جاء من كندا وأميركا والخليج وأوربا، وفقاً لما ذكره رئيس وحدة زرع الأعضاء في مشفى المواساة، الدكتور عمار الراعي، الذي أوضح أن الإشكالية لدى المغترب تنحصر في خسارته إقامته أثناء انتظار دوره، لافتاً إلى أن معظم المغتربين يفضّلون إجراء الزرع في سورية، أولاً للسمعة الممتازة لمراكزنا، وثانياً لرغبتهم بالتواجد قرب أسرهم؛ وتلك إشكاليةٌ تنسحب بدورها على المرضى العرب الذين قد لا يرغب معظمهم إجراء الزرع في مشفى حكومي وانتظار الدور، علماً أن نسبهم قليلة.
وبغية حلّ هذه الإشكالية، اقترح الدكتور الراعي فتح القطاع الخاص لحالات محدّدة تشمل الأقارب المغتربين والعرب فقط، وذلك لإبعاد الشبهات عن موضوع تجارة الأعضاء الذي يثير المخاوف لدى الجهات الحكومية، وهي مخاوف مشروعة إلاَّ أنها مشكلة لا يمكن اخفاءها حتى في القطاع العام، وخاصة عندما يكون المتبرّع غير قريب، ما يثير الشبهات في بعض الأحيان بأنها تتم بـ “مقابل ما”، رغم حصول المُتَبَرِع والآخذ على موافقة وتنازل عند الكاتب بالعدل، منوهاً بنشاط القطاع الخاص بشكلٍ كبير قبل 2008، أي قبل إصدار قرار بإيقاف تلك العمليات فيه، على الرغم من إجرائِه وقتها نصفَ عمليات الزرع، مضيفاً أن قرار الإيقاف لم يفضِ إلى حلِّ أي تفصيل في المشكلة، بل على العكس تماماً زاد الضغط على المشافي الحكومية وأطال مدة الانتظار أمام المرضى. ولذلك يرى الراعي أن فتح باب الزرع أمام الخاص سيمنح المريض الذي لا يملك المال فرصةً لإجراء العملية في وقتٍ أقرب من خلال تقريب أدوار المرضى المحتاجين فعلاً في المشافي الحكومية، وإخراج المريض المُقتّدِر مادياً من الدور وإجراء الزرع له في الخاص وتقليص المدة التي كان يتوجّب عليه انتظارها، خاصة وأن هنالك مرضى لا يسمح لهم وضعهم الصحي بالانتظار مدة طويلة، ما قد يدفعهم للسفر خارج القطر لإجراء الزرع، فـلماذا لا تتمّ الاستفادة منهم، على أن يتمّ كل ذلك ضمن ضوابط معينة وشروط أصعب من الموجودة في المشافي الحكومية، عبر إتاحتها فقط للأقارب المغتربين المضطرين لإجراء العملية قبل انتهاء إقامتهم وفرض رسوم معينة، وهي رسومٌ تشمل أيضاً العربي الذي سيتكفل بإحضار المتبَرِع الذي ينتمي بطبيعة الحال لجنسيته، وأخذها بالقطع الأجنبي من دون أن تتحمّل الدولة أي تكلفة مادية!!
هناك أيضاً – يضيف الدكتور الراعي – إمكانية إدخال شريحة ثالثة للأقارب “تشمل السوري غير المغترب” لمن يرغب بإجراء العملية في الخاص إن توفرت لديه الإمكانيات المادية والرغبة ما سيسهم أيضاً بتسريع دوره، ويمكن تكليف اللجان نفسها التي تمنح الموافقة للمشفى الحكومي بالمهمّة ذاتها للخاص، ما سيسهم بدوره بزيادة نشاط السياحة الطبية في سورية، والتي وفقاً لأعداد المرضى العرب القادمين إلى سورية تشهدُ نشاطاً ملحوظاً، وخاصةً في عمليات قص المعدة وتجميل الأسنان وشفط الدهون، وهؤلاء يتوجّهون جميعاً بطبيعة الحال للقطاع الخاص، في حين أن عددهم في المشافي الحكومية صفر.
مقابل ذلك، يرى الراعي أننا إذا ما أردنا حلّ مشكلة تجارة الأعضاء يتوجّب علينا الانتقال إلى حلّ بديل، خاصةً وأن هناك شبهة ما تدور حول التبرع من غير قريب! لذلك، وللانتهاء من هذه المشكلة، يبقى البديل الأفضل هو أخذ الأعضاء من المتوفين دماغياً، لأننا في حالاتٍ معينة لا يمكن أن نأخذ من عائلة المريض لوجود أمراض كالسكري أو الضغط أو لتنافر زمر الدم، ما يجعل أخذ الأعضاء من المتوفين دماغياً الحلّ الأفضل، ويسهم بإلغاء المتبرع غير القريب عبر تفعيل المشروع الذي تطبقه معظم دول العالم، بما فيها الإسلامية كإيران والسعودية التي تأخذ من متبرع ميت دماغياً أو متبرع حيّ من الأقارب حصراً، تفادياً للدخول في إشكالية بيع الأعضاء، علماً أن المرسوم الرئاسي الذي صدر عام 2003 – يضيف الراعي – قد سمح بأخذ الأعضاء من المتوفين، لتُعرِّف بعدها وزارة الصحة ضمن التعليمات الناظمة المتوفى بأنه المتوفى دماغياً، وتمنحه دار الإفتاء الموافقة، والمؤسف أن سورية تكاد تكون الوحيدة مع بعض الدول التي لم تُباشِر بالمشروع، رغم أنها من أوائل الدول العربية التي بدأت بزرع الكلية والأعضاء، حيث تمكّنت فرقُها الطبية في عام 1979 من إجراء 3 حالات زرع قلب في مستشفى تشرين العسكري ليتوقف العمل بعدها.
وقال الراعي: إننا وعلى الرغم من علمنا بما يحتاجه المشروع من إمكانيات وبنية تحتية ضخمة لينطلق، إلا أن ثقتنا كبيرة بأنه، في حال انطلق المشروع، سنتمكن خلال سنة أو سنتين من قطع أشواط كبيرة، شرط أن تتوفر الإرادة وينال دعم الجهات العليا، إضافةً لدعايةٍ مكثفة وتكاتف وزارات كالإعلام والثقافة والدراما والتربية عبر إدخال ثقافة التبرع في المناهج الدراسية، منوهاً بأن دولاً كـإيران بدأت بالترويج للمشروع عبر الدراما حتى أصبحت مقبولة اجتماعياً، كل ذلك بعيداً عن الضغط أو الإجبار وإتاحة الأمر لمن يرغب طبعاً، لافتاً إلى أن المشروع سيسمح بالاستفادة من أعضاء كثيرة لا يمكن أخذها من متبرع حيّ كالقرنية والقلب والرئتين والكبد إضافةً للكلية والطعوم الشريانية وغيرها، ما سيسهم بالحفاظ على حياة المتبرع القريب الذي قد يسوء وضعه في حال تبرع بإحدى كليتيه لأحد أقربائه على سبيل المثال، والتوجه للحصول عليها من متبرع متوفى.
ختاماً، يوضح الراعي أن إحجام الطلاب عن اختصاص زرع الكلية قد يكون أحد أسبابه حصر عمليات الزرع في المشافي الحكومية فقط، لافتاً إلى أن عدداً من الأطباء الذين كانوا يُحضِّرونَ الدكتوراه في زرع الكلية انسحبوا أثناء إصدار قرار حصر الزرع في المشافي الحكومية.
ومن الجدير ذكره أن الدولة السورية تتحمل ميزانية جبارة بإجرائها عمليات الزرع للمرضى السوريين مجاناً، حيث تصل كلفة هذا النوع من العمليات في لبنان إلى خمسين ألف دولار، فيما قد تصل في دول أخرى إلى 100 ألف دولار، إضافةً لتقديمها الدواء ومثبطات المناعة مجاناً ولمدى الحياة للمريض السوري حتى ولو كان مغتربَاً، علماً أن كلفته تصل شهرياً إلى أكثر من أربعة ملايين ليرة للمريض الواحد.
وهنا لا بدَّ أيضاً من الإضاءة على الجهود الكبيرة للفريق الطبي بوحدة زرع الأعضاء في مستشفى المواساة الذي يقوم أسبوعياً بإجراء خمس زرعات، إضافةً لإجرائِه 159 عملية زرع، سنة 2022، بنسب نجاح مرتفعة جداً، ليكونَ بذلك من أكبر المراكز على مستوى الشرق الأوسط ومنافسِاً على المراكز العالمية، مُسَاهِماً بوصول سورية في العام نفسه إلى المرتبة السادسة عالمياً بأخذ الكلية من متبَرع حيّ، بعد الولايات المتحدة الأميركية التي حلَّت في المرتبة الخامسة.