دراساتصحيفة البعث

النظام العالمي تغيّر شاءت واشنطن أم أبت

عائدة أسعد

لقد هيمنت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون منذ فترة طويلة على النظام العالمي، وفرضوا قيمهم وسياساتهم الخاصة على بقية العالم باسم تعزيز الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، بينما هم في الحقيقة يشوّهون سمعة الدول التي تختلف أنظمتها السياسية عن أنظمتهم، والأسوأ من ذلك أنهم كانوا يتنمّرون على بعض الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، ويرغمونها على الانحياز إلى أحد الجانبين في نزاعاتها مع بلدان لا تلتزم بالأيديولوجية والسياسات التي تتمحور حول الغرب.

وتجدر الإشارة إلى أنه ليس هناك أي مبرّر لقتل المدنيين الأبرياء، وخاصة ما تفعله القوات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني من إبادة تنبغي إدانتها، وقد شهد الجنوب العالمي المعايير المزدوجة للولايات المتحدة التي تتجلى في دعمها المستمر للغزو الإسرائيلي لقطاع غزة على الرغم من الضغط عليه في وقت سابق للانحياز وإدانة روسيا في عمليّتها الخاصة في أوكرانيا.

وقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في العدوان الإسرائيلي على غزة وصوت 13 من أعضاء مجلس الأمن لمصلحة مشروع قرار مقتضب قدّمته دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن امتنعت المملكة المتحدة عن التصويت عليه، وبات من الواضح أن الحرب هي عمل تجاري لبعض الدول الغربية التي تنفق مئات المليارات من الدولارات لتعزيز مصالحها في الداخل والخارج، بينما في المقابل اتخذت الصين من خلال مبادرتها للأمن العالمي خطوات متعدّدة للوفاء بالتزامها بالسلام العالمي والتنمية المستدامة.

إن الدول الأعضاء في مجموعة بريكس، التي تضمّ الآن أعضاء المجموعة – الخمسة الأصليين (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) وخمسة أعضاء جدد وهم مصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات – تنوي تحسين النظام العالمي الحالي غير العادل الذي يتمحور حول الغرب من خلال وضع إصلاح النظام العالمي على رأس جدول أعمالها، ففي قمّة بريكس الأخيرة في جوهانسبرغ، جنوب إفريقيا، في آب 2023، قبل قادة بريكس الأصليون ستة أعضاء جدد، بينما أعلنت الأرجنتين مؤخراً أنها لن تنضمّ إلى “بريكس” الآن.

وتمثل الدول الأعضاء في مجموعة بريكس مجتمعة أكثر من 40% من سكان العالم، وأكثر من 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومع خمسة أعضاء جدد، ستعمل “بريكس” على موازنة النفوذ العالمي لمجموعة السبع، حيث سترتفع حصتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 36 في المائة، بينما ستمثل ما يقرب من نصف سكان العالم.

ومع استعداد أكثر من 30 اقتصاداً لتعميق العلاقات مع المجموعة، تلتزم مجموعة بريكس بتعزيز تحالف الجنوب العالمي كقوة جماعية ودعم التعدّدية القطبية من أجل المساعدة في إنشاء نظام عالمي لا تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها.

عملية الضمّ هذه ستزيد من وزن بريكس، وتوسّع نفوذها العالمي وتعزز العلاقات التجارية مع مجموعة واسعة من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية من خلال إنشاء نظام دفع عادل لا يمكن استغلاله من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

لقد ساعد استخدام الدولار الأمريكي كسلاح لواشنطن في الحفاظ على تفوّقها الاقتصادي والجيوسياسي العالمي، وفرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ اقتصادية على ما يقرب من 40 دولة، بما في ذلك كوبا وروسيا وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية وإيران وفنزويلا، بالإضافة إلى فرض العقوبات والتعرفات الجمركية العقابية وإجراءات ضوابط التصدير على الصين، ما أثر في ما يقرب من نصف سكان العالم وتسبّب في صعوبات لا توصف للناس العاديين في تلك البلدان، ما يعيق نموّها الاقتصادي، وهذه هي الأسباب الرئيسية التي دفعت العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة إلى الدعوة إلى إجراء التجارة العالمية بعملات أخرى غير الدولار.

وإذا نجحت خطة “بريكس” لتبني عملة مشتركة لإدارة التجارة العالمية، فسيكون لذلك تأثير كبير في الدولار الأمريكي كعملة دولية افتراضية، لأن الدول العشر الأعضاء في “بريكس” تمثل 36% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفي الواقع يمكن لعملة “بريكس” المشتركة أن تغيّر قواعد اللعبة وقد تكسر هيمنة الدولار العالمية ما يسهّل على الاقتصادات الناشئة ممارسة التجارة الحرة بعملات أخرى غير الدولار.

وسواء شاءت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون ذلك أم لا، فإن النظام العالمي يتغيّر، والجنوب العالمي يبرز كلاعب رئيسي في العلاقات الدولية, لذا، يتعيّن على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أن ينتبهوا إلى مخاوف الجنوب العالمي وأن يساعدوا في بناء نظام حكم عالمي وبنية مالية تعود بالنفع على الجميع.