الانتخابات الحزبية.. إكسير الاستمرار في تحديث بنية الحزب
علي بلال قاسم
لم تك حالة الرفيق نظير (حزبي قروي عتيق، من زمن الستينيات والسبعينيات) غير نمطية بالنسبة لتوقيت وظرفية مجتمع غني بالاستقطابات ومتعطش لتلقف المختلف والمنسجم والمقتدر، لتشكل الأرضية الخصبة مناخاً ربيعياً عند نظير البسيط “كنصير” وجموع العقول والمتلقفين والمنظرين من متنورين “كبنى فكرية”، لخلق القاعدة العريضة من الجمهور الحالم آنذاك والمقتنع والمندفع للتغيير على أيدي الأوائل، فكنا أمام موجات من المنضوين والملتحقين والمنتسبين ينشدون قيمة العمل تحت لواء البعث ويبتغون شرفية العضو العامل في الحلقات والفرق والأمانات والفروع.
في تلك المشهدية المتأرشفة في الذهنية المجتمعية، لا خلاف في “جذور الأرض…”، ولا في “…صميم الألم..”، التي جاء منها موكب البعث، ولا اختلاف وثقناه في دستور ونشيد وشعار وأهداف ومنطلقات كانت، ولا تزال، قائمة وصالحة باعتراف كل المؤتمرات الحزبية والاجتماعات اللجان المركزية ومصادقة غفير المنتمين والمنتسبين، ولا جدال في حقيقة وأصالة التجدد عند حزب ولد ليستمر برصيد لا يلين وصوت “…فلاح وعامل وشباب… وجندي …”، لأنه بحق “…صوت الكادحين”.
هي ثوابت كانت ولم تزل لأنها ولدت من الواقع، ليكون المتغير الوحيد الذي لا مجال من التعاطي معه هو “مجموع التحولات المعرفية والثقافية للمجتمع”، ومعها جموع الأشكال والتوجهات والاستقطابات السياسية الدولية والإقليمية، التي فرضت تعاملاً مستجداً لا مجال فيه للخطاب التقليدي، بقدر ما فرزت الحياة المعاصرة تواصلاً أكثر حداثة بموجبات ومقومات جديدة تؤدي لمخرجات منتجة ومثمرة قوامها التفاعل المباشر مع الحياة العامة بعنوان مسماه ” الجمهور” المتفاعل والمشارك.
اليوم لا مناص من وجوه مرنة تتوالد من صميم الأهداف وقوامها اجتماع الرؤى وتآلف الأفكار واندماج الإنتاج، حيث تتوحد الآلام وتتلاقى الآمال على مصير أفضل وأكثر ريعية وصلاحاً وفائدة للمجتمع.
إنه الحزب الذي قاد وبنى وحارب وحرر وانتصر، ليس منفرداً بل بتآلف عقائدي ضمن مشاركة الجميع في جبهة تنظيمية صمدت وحققت تجربتها الكثير، وفي رصيده سفر مشهود – لا مجال لحصره هنا – بقدر ما يقر القاصي والداني أنه الأكثر قدرة على المواجهة وتجاوز الصعاب في كل الخنادق التي حفرها أو وجد نفسه فيها.
وهو ذاته الذي سجل بصماته في ميادين الإنتاج وساحات الحرب العسكرية، وفي منازلات المقارعة المعيشية، بكوادره ومناضليه وأعضائه “أنصارا وعاملين”، ومناصرين، كانت شوارع الأحياء والقرى حيزاً لفرق حملت خبز المواطن على الراحات، وعناصر قادت مراكب وشاحنات المواد لكل محتاج، وبعثيون تطوعوا لرفع المحروقات على الأكتاف وصولاً لطرق أبواب الناس في طوابقها، في تحديات كانت صحيفة “البعث” شاهداً وموثقاً كرسالة وفكر وعقيدة. فمن كانت الساحات وميادين المواطنين منازله ومنازلاته، يمكن التعويل عليه والبناء على قدراته وإمكانياته، على أسس من الثقة المتبادلة بين الحزب وجمهوره الغيور على تياره العريق فكراً وممارسة، وهذا “العشم” الذي ترتجيه القواعد التي تتلقف كل ما ينهض بها ويرتقي بمستواها المكافح والمناضل والمضحي، وهو المستحق لقرار الإصلاح والتطوير الجديد للارتقاء نحو صيغ حزبية تخدم بلدانها وقراها.
وما الاستحقاق الجديد اليوم، والمتمثل بالتحضير لإجراء الانتخابات لاختيار ممثلي الحزب إلى اجتماع اللجنة المركزية الموسّع المقبل، سوى صفحة متجددة من تاريخ قريب وقديم، يثبت فيه أهل “البعث” أن إكسير استمرار التنظيم هو تلك التغييرات الهيكلية والإدارية التي تحدث في بنية الحزب، بعيداً عن تقليديات “التعيين والتسمية وفنون التزكيات”، وقريباً من أولوية وأحقية الانتخابات لأرفع القيادات الحزبية من مستوى “لجنة مركزية”.
وفي هذا المضمار، تعطي أشكال الاهتمام والانشغال في صفوف القيادات بالمتحول الجديد كثيراً من جدلية المخاض، للحدث القادم كخيار تكتيكي واستراتيجي حيوي ومهم في مسير الحزب، وهو حال الشارع الذي تلقف التوجه بكثير من الارتياح والأمل الذي فرضته حقيقة الإصلاح المنشود، والذي تفرضه المرحله الجديدة، وفي تقفي أثر التعاطي الجماهيري مع “حالة الانتخاب”، لم يك الحزب – كما يتفق أبناء وأحفاد الرفيق نظير – إلا ضمن سيرورته الطبيعية وعلى متن ركب الحداثة.
وما التحرك الميداني الذي تقوم به اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات الحزبية، والمتمثل باجتماعاتها ولقاءاتها مع قيادات الفروع والشعب واللجان الانتخابية الفرعية، إلا عملا وإنجازا يأتي في إطار الحوار والنقاش حول استحقاق الانتخابات الحزبية بما له وما عليه، وللتحاور مع الرفاق حول سبل تعزيز نجاح الانتخابات الحزبية عبر الاستئناس بالملاحظات والمقترحات التي يجري طرحها في الاجتماع الحواري، هكذا يتصدر خبر الحراك التنظيمي. أما نبض الشارع فليس بذاك التفاعل البعيد، فعبر صولات وجولات من التواصل والتلقف وتسجيل المواقف، يبدو المشهد طبيعياً لجهة النقاشات واختلاف الوجهات والآراء، وكلها تنشد الآمال العريضة في بلوغ المناصب الحزبية رفاق وشخصيات تناسب وتستأهل المرحلة الحالية والقادمة، ليسجل المنعطف الحالي مسؤوليات تقع على عاتق القواعد نفسها، وبالتالي هي المعنية بصحة الاختيار السليم، وكي تكون الأمور في نصابها بعد أن حسم القرار لنشر ثقافة المشاركة وتوسيع مدارك الانتخاب الصرف بعيداً عن الشخصنة والمحسوبيات ومالف لفيفها من ممارسات تخرب على الرفيق اختياره القانع وليس كما يستحلي الآخرون.
في الآخر، حري القول أن هنالك ما يدعو لحراك وثورة أخرى بشخوص تدخل إلى قناعات وتوجهات المجتمع بالدعوة للمشاركة بالانتخاب لما فيه خير البلد وصلاح الحزب، فالمجتمع الحزبي والبعثي يرنو لقيادات خارجة من رحم الانتخاب الشفاف وملتصقة بهموم القواعد بقوة التواصل الميداني مع الناس.