الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

طوفان الأقصى والتّقزيم

عبد الكريم النّاعم  

* ما إن نسمع مفردة “طوفان” حتى يتبادر للذّهن طوفان سيدنا نوح (ع)، وهو طوفان ماء، أمّا طوفاننا فهو طوفان من اللهيب والحِمم، فالمقاومون البواسل، حيث تندلع الحرائق، يُمطرون العدو الصهيوني بما أعدّوه، وهو إعداد يبدو أنّه مدروس بدقة، كما أنّ المساحات التي يقصفها العدو الصهيوني تتحوّل إلى جحيم لا يتوقّف، ومثاله الأبرز “غزّة” التي تحوّلتْ إلى رُكام فوق رُكام، في عمليّة استئصال وإبادة تحت سمع وبصر “الغرب” الأطلسي، وبتأييد وَقح مفتوح؛ وها أهل غزة لم يبقَ لديهم ما يخسرونه فوق الأرض، أقولها بألم لا يعرفه إلاّ من انتمى بكلّ عِرْق فيه إلى عُمْق القضيّة، ورغم الفارق الكبير في موازين القوى العسكريّة، فإنّ هذه المعركة قد قزّمتْ مساحات جغرافيّة، ونفسيّة، وسلطات متعدّدة.

* أوّل هذه التقزيمات لسلطة رام الله التي كان أعلى سقف لها الاحتجاج والاستنكار، وليت احتجاجها وازى احتجاجات مَن ملؤوا شوارع العديد من مُدن الغرب الأطلسي، فهو لم يرقَ رسميّاً إلى أن يكون ذا فعل، بل كلام يطيّره الهواء؛ وهذا يشمل موقف مصر الرسميّة المكبَّلة ببنود كامب ديفيد والراضية بها؛ ولم يرتق الكلام الذي وصلنا من القاهرة إلى مستوى حرارة الاستنكارات التي سمعناها من أجانب، ليسوا مسلمين ولا عرباً، ولعلّهم من ذوي الوجهين، وجه يقابلون به الأمريكان، وآخر يقابلون به الفضائيات ووسائل الإعلام، ويظنّون أنّهم بذلك يسترون العورات المكشوفة حتى الافتضاح، وهذا الحكم يشمل كلّ مَن كان مثلهم من حكام العرب والمسلمين.

* ثاني هذه التقزيمات هو تقزيم الجيش الصهيوني الذي كان يُعدّ من “أفضل” جيوش العالم تدريباً وتأهيلاً، فإذا به، لا أقول إنّه مُهَلْهل، بل هلْهلتْه بسالة وشجاعة المقاتلين الذين يواجهونه حيث تحتدم الساحات؛ فقد تناقلت وسائل الإعلام أنّ لواء “غولاني”، الأشرس، والأكفأ، والأكثر عناية بالتدريب والخصوصيّة، أُخرِج من المواجهة في غزّة؛ وإذا كان نتنياهو يمنع نشر أيّ معلومة عن خسائر الحرب الحقيقيّة، فبعض التسريبات تشير إلى أنّ أعداداً كبيرة من مقاتلي الجيش الصهيوني يحتاجون إلى تأهيل نفسي، وهذه الزلزلة قد أصابت المجتمع الإسرائيلي، فقد وصلتْنا بعض الأصوات من أهالي الذين أسرتْهم المقاومة، كما أنّ الجبهة الشماليّة، على حدود لبنان، قد أصبحت فارغة ولا أثر فيها للحياة، إلا لغة القنابل والنّار، والهجرة من داخل الكيان إذا كانت، كما أذيع ما تزال غير مُقلقة، فإنّها ستكون هاجساً حقيقيّاً بعد انتهاء هذه الحرب، والتي لا بدّ لها من نهاية ما، مهما طالت.

إنّ ما يجري الآن يؤكّد صحّة المقولة التي كثيراً ما رُدِّدت: “ما أُخذ بالقوّة لا يُستردّ إلاّ بالقوّة”، وأنّ منطق السلام لا ينسحب على المحتلّ، فللمحتلّ منطق واحد وهو أن يرحل، وإلاّ فسيظلّ مقيماً ما أمكنه ذلك.

* ثالث هذه التقزيمات هو تقزيم أمريكا التي لم تستطع تشكيل حلف، حتى من حلفائها الموجودين في المنطقة أو خارجها، بشأن ضمان الملاحة في البحر الأحمر، ويبدو أنّ دوّامة العدوّ تنتقل إليها بصورة ما.

إنّ ما سبق لا يعني أنّ حلف المقاومة، قد تفوّق على العدوّ، وأنّ الأمر قد انتهى، بل يعني بالتأكيد أنّ المقاومة تسير في الطريق الصحيح، وأنّ كسْر شوكتها لم يعد أمراً سهلاً، وأنّ مأزقاً ما ستعاني منه حكومات الغرب الأطلسي المتصهينة، ومَن دقّق في الكلام الذي قاله السيد حسن نصر الله يُدرك أنّ ثمّة زمناً جديداً يجري افتتاحه في المنطقة، وولادة شرق أوسط جديد على يد “قابلة” التحرير، لا الذي تحدّثت عنه كونداليزا رايز ذات حرب.

aaalnaem@gmail.com