نادٍ أمريكي حصريّ للطاقة.. والصين تعزّز أمنها الاقتصادي
هناء شروف
تسعى الولايات المتحدة إلى تشكيل نادٍ حصري للطاقة يعتمد على تحالفاتها وشراكاتها التي ستؤثر في التحوّل العالمي.
وفي إطار التحوّل الذي طرأ على استراتيجية أمن الطاقة في الولايات المتحدة، تحاول إدارة جو بايدن تشكيل نادي طاقة عن طريق الدعوة فقط للتوفيق بين مجموعة من أهداف السياسة المتنوّعة والمتضاربة بما في ذلك النمو الاقتصادي والأمن القومي والبيئة المنخفضة الكربون. وهذا يخدم توسيع شبكة الولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها في مجال الطاقة واستبعاد المنافسين الرئيسيين وتحقيق قيادة موحّدة. إن نيّة الهيمنة وتوجّه “الأولوية المحلية” لسياسة الولايات المتحدة تفرض مخاطر متعدّدة على إدارة الطاقة العالمية.
إن الصين والولايات المتحدة باعتبارهما أكبر اقتصادين يعتمدان على الكربون ومستهلكين للطاقة على مستوى العالم في وضع جيد يسمح لهما بقيادة التحوّل العالمي في مجال الطاقة. ولكن مع اشتداد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة في مجال الطاقة والموارد فإن مساحة التعاون المناخي بين الجانبين تتقلص بشكل كبير.
إن إدارة بايدن عازمة على بناء نادي طاقة محوري، حيث تكون الولايات المتحدة هي المحور وحلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها هم المتحدث. وبالتالي فهي ملتزمة بتشكيل مجموعة من الأنظمة المعيارية المحدّدة والقابلة للتنفيذ والمتعدّدة الأطراف والقابلة للتعديل بسهولة لسلسلة التوريد الخضراء. وسوف تستمر سياسة الصناعة الخضراء في الولايات المتحدة التي تركّز على تحويل وتأمين سلسلة التوريد الخاصة بها في تشكيل شبكة من الحلفاء والشركاء.
تلتزم الولايات المتحدة بدمج سلسلة توريد الطاقة النظيفة في أمريكا الشمالية وإنشاء نادٍ قريب من الشاطئ يكون تكوين سلسلة التوريد الخاصة به هو جوهره، وتعزيز تبادل الأصدقاء على أساس سوق أمريكا الشمالية واستخدام مزايا الموارد في كندا وإمكانات التصنيع في المكسيك لملء الفراغ.
وفي إطار مجموعة السبع، عملت الولايات المتحدة على تعزيز التآزر بين مبادرتها “إعادة بناء عالم أفضل” واستراتيجية البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي، والشراكة اليابانية من أجل البنية الأساسية العالية الجودة ومبادرة الاستثمار الدولي في المملكة المتحدة. مع قيام مجموعة السبع أخيراً بإنشاء شراكة مجموعة السبع للبنية التحتية والاستثمار (PII، G7) كإطار لتعاون البلدان المتقدمة كلها بهدف تضييق فجوة الاستثمار في البنية التحتية في البلدان الشريكة، أقرّ اجتماع وزراء البيئة والمناخ والطاقة في مجموعة السبع في عام 2022 رسمياً شراكات التحوّل العادل للطاقة (JETPs) التي تم إطلاقها في المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ كشكل جديد من الشراكة الوطنية التي ستعتمدها “PII، G7”. شكّلت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجنوب إفريقيا مجموعة الشركاء الدوليين، وأعلنت عن إطلاق رحلات JETP، كما أنشأت مجموعة السبع أيضاً محطات JETP مع الهند وإندونيسيا والسنغال وفيتنام.
يعمل العمل المناخي العالمي وتطوّرات الطاقة النظيفة على تغيير الهيكل الجيوسياسي الحالي تدريجياً. وتنظر الولايات المتحدة إلى شراكات الطاقة على طراز النادي باعتبارها أداة مهمّة لاستعادة هيمنتها الاستراتيجية. تعترف إدارة بايدن بأن الولايات المتحدة لا تستطيع إنتاج أو استخراج أو تصنيع كل شيء بمفردها، ويجب أن تتعاون مع الحلفاء والشركاء لتعزيز وتقوية مرونة سلسلة التوريد الجماعية. ولتأمين الوصول إلى المعادن الأساسية المهمة للتحول إلى الطاقة النظيفة، يجب على الولايات المتحدة أن تتعاون مع حلفائها وشركائها لضمان إمدادات كافية ومرنة. وفي هذا الصدد من المهم تأمين الإمدادات من الخارج والعمل مع شركات الحلفاء لتوسيع التعدين المستدام على الشاطئ.
يتعيّن على الصين أن تدرك المخاطر الاستراتيجية التي تفرضها سياسة الطاقة الأميركية. ومن المهم بالنسبة للصين أن تعمل على تعزيز أمن الطاقة الخاص بها ومنع نادي الطاقة الأميركي من تقويض سلامة إدارة الطاقة العالمية في إطار الأطر المتعدّدة الأطراف مثل مؤسسات الأمم المتحدة.
وفي مجال الطاقة الجديدة تتمتع الصين بقدرة إنتاجية وإمكانات سوقية أعظم من الولايات المتحدة، في حين تتقدّم الولايات المتحدة في بعض المجالات التكنولوجية. وفي مجال الحوكمة لا تزال الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان تهيمن على معايير التجارة وقوة التسعير والمعايير الصناعية وبيانات المعلومات المتعلقة بموارد الطاقة العالمية، كما أنشأت هذه الاقتصادات المتقدمة آليات تسعير ومعايير إنتاج وأنظمة جمع معلومات تتمركز في نيويورك ولندن. عندما يتعلق الأمر بقواعد ومعايير إدارة الطاقة العالمية فإن الصين كانت في وضع غير مواتٍ لفترة طويلة.
لقد حقّقت الصين تقدّماً كبيراً في تحوّلها في مجال الطاقة، وتقدّم سوق الطاقة المتجددة في الصين من المرحلة المدعومة من الحكومة إلى المرحلة الموجّهة نحو السوق. وتعمل الصين على تطوير نظام مالي أخضر موجّه نحو السوق، في حين تعمل أيضاً على تعميق الإصلاح الهيكلي لجانب العرض في مجال الطاقة المتجدّدة. بالإضافة إلى ذلك يتم إنشاء نظام ابتكار تكنولوجي منخفض الكربون موجّه نحو السوق مع التركيز على الشركات. ومع ما يقرب من ثلث براءات الاختراع في مجال الطاقة المتجدّدة على مستوى العالم تبرز الصين كدولة رائدة في الاستثمار الدولي في الطاقة المتجدّدة ومروّج نشط للتقدم التكنولوجي المنخفض الكربون.
إن تسريع تحوّل الطاقة في الصين سيفيد تنميتها ويوفر فرصاً للتحوّل الأخضر في البلدان النامية الأخرى وإصلاح نظام إدارة الطاقة العالمي. وسيتم تعزيز مكانة الصين في سلسلة صناعة الاقتصاد الأخضر العالمية وسلاسل التوريد والقيمة، ما يعزّز صوتها في عملية وضع قواعد الطاقة الدولية. بالإضافة إلى ذلك ستصبح التكنولوجيا الصينية وقدرات بناء البنية التحتية وسلسلة القيمة التي تشكّلت خلال عملية تحويل الطاقة منفعة عامة عالمية. ومن خلال التعاون مع الدول النامية الأخرى لإنشاء مراكز دولية للبحث والتطوير ومنصات تعاون في مجال الطاقة المتجدّدة والتكنولوجيات المنخفضة الكربون، تستطيع الصين أن تعمل على تعزيز الفوائد الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على استثماراتها ومساعداتها في الخارج.
إن تحوّل الطاقة في الصين لديه القدرة على تعزيز نظام دولي أكثر انفتاحاً وشمولاً واستقراراً ما يوفّر فرصاً كبيرة لتعافي الاقتصاد العالمي وإعادة بناء نظام الحوكمة العالمية.