بحور العالم نحو مزيد من اللهيب بأيادٍ أمريكية
تقرير إخباري
ليس خفياً في الآونة الأخيرة أن البحور العالمية باتت تحظى بأهمية جيواستراتيجية عالية جداً، فالتجارة العالمية المحمولة بحراً تشكل نحو 50% من حجم البضائع المتبادلة في العالم، ونحو 80% من قيمة البضائع عالمياً، كما تسيطر احتكارات مونوبولية على قطاع حاويات الشحن البحرية لأربع شركات أوروبية، وواحدة آسيوية وبنسبة 66%، وبالتالي فإن اتخاذ هذه الشركات أي قرار لتحويل طرق التجارة البحرية عن أي طريق أو مضيق سيؤثر على حجم البضائع المنقولة وأسعارها عالمياً.
ولا ننسى عوامل التوتر الأمنية والعسكرية التي تشتعل وتزيد في معظم البحور، وتؤكد مدى خطورة هذا الاشتعال على تهديد مجالات لم تكن في الحسبان، فالحرب التي يشنها “الناتو” على روسيا تشل قدرة البحر الأسود على مدّ العالم بالغذاء والطاقة، والعمليات الإرهابية لتفجير خطي “نورد ستيرم 1″ و”نورد ستريم 2” البحريين لنقل الغاز من روسيا إلى أوروبا، شلت قسماً كبيراً من القطاعات في كبرى الاقتصادات الأوروبية، وما شهده بحر البلطيق من انقطاع لكابل إنترنت يغذّي اتصالات عدّة بلدان أوروبية بفعل عمل إرهابي، يفتح مجال المخاوف على مصير 600 كبل اتصالات أخرى تمتد عبر بحار العالم، فانقطاعها أو استهدافها ممكن أن يشلّ حركة الاتصال والتجارة العالمية وجميع قطاع الاقتصاد المعرفي الذي يتوجه إليه العالم حالياً.
أما بحر الصين الجنوبي فإنه يتجه نحو نمو مضطرد وتحولات سياسية وعسكرية في شكل الصراع وزيادة في حجم الاستفزازات الأمريكية وتوابعها من “الناتو الآسيوي” ضدّ الصين التي تؤكد تمسكها بالمبادرات السلمية والتنموية من جهة، وحقها في الدفاع عن وحدة وسلامة أراضيها ومصالحها من جهة أخرى، حيث شهدنا أضخم الحشود البحرية غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية في المنطقة من قبل الطرفين.
إن كلمة السر والرابط المؤجج لجميع الصراعات وحتى العمليات الإرهابية والتخريبية البحرية هو الولايات المتحدة التي باتت تعاني من الشكوك المتزايدة من أكبر حلفائها في قدرتها على السيطرة على البحور والمضائق كما في السابق، وما يشكله ذلك من خطر على الغرب على متابعة مصّ دم الشعوب واستغلالها، بل حتى الدول الجزرية الصغيرة التي كانت تضغط الإدارة الأمريكية عليها لكسب أصواتها في مؤسسات المجتمع الدولي باتت تخرج من ملاءة تلك السطوة وتؤيد القضايا المحقة، حيث شهدنا يوم أمس إعلاناً لجزيرة ناورو الصغيرة في جنوب المحيط الهادئ عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان، والاعتراف بها كجزء لا يتجزأ من الصين. لذلك فإن هذه الإمبراطورية المتهاوية -وإن إدعت أنها لا تنوي فتح أي ساحات صراع أو توسيعها- فإنها تطمح فعلياً للمزيد من مناطق الصراع وتحديداً البحرية منها، وصحيح أنها سحبت أساطيلها من مياه المتوسط وظن البعض أن ذلك يعني أنها لا تريد الاستمرار في دعم خطوات الكيان الإسرائيلي في اعتداءاته على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، لكنها في الوقت نفسه أنشأت “تحالفاً دولياً” في البحر الأحمر ووجهت ضربات لليمن، ملمحةً إلى أنها مجرّد رد لاعتبار مكانتها وليس توسيعاً للصراع، لكن في الحقيقة لو أرادت أمريكا حفظ السلام في المنطقة وعدم توسيع الصراع مع اليمن لكانت حلت المشكلة بطرق أبسط عبر الضغط على حكومة الكيان لإيقاف اعتداءاتها، ولكن ذلك لم يحدث، ويؤكد حرفياً تناقض أقوال الإدارة الأمريكية مع أفعالها و”تكالبها” لتسخين منطقة جديدة علها تجد فيها موطأ قدم بحري جديد يساعدها في مزيد من النهب، وفي تطويق مصادر الطاقة والتحكم بها.
بشار محي الدين المحمد