هل يدرك البعثيون أهمية خياراتهم؟
د. خلف المفتاح
عبر مسيرته النضالية الطويلة وقيادته للمجتمع والدولة، لم يستطع حزب البعث تكريس وتوطين ثقافة انتخابية تجعل المعيارية الحزبية والكفاءة القيادية هي المعيار الأساسي والذائقة عند الناخب البعثي، تحسم خياراته الديمقراطية، وعلى كل المستويات، من انتخابات قيادة الفرقة إلى انتخابات المؤتمر القطري، وما بينهما من ممارسات ديمقراطية في مستويات مختلفة؛ فالجهاز الحزبي بشكل عام، وفي أكثريته – ولا نعمم المسألة – لم يخرج عن المؤثرات الاجتماعية بكل أشكالها عند ممارسته لعمليات الانتخاب واختيار القيادات الحزبية أو ممثليه للمؤتمرات، وغيرها، ما جعل المحصلات الانتخابية، ومن خلال تحليل الناتج الانتخابي، لا تشير إلى أن الناخبين بشكل عام اختاروا الأفضل والأكفأ، وهذا لا يعني أنهم اختاروا خيارات سيئة أو فاسدة، إنما حالة وسطية، عدا بعض الحالات هنا وهناك، ولكنها لا تشكل ظاهرة انتخابية ذات طابع عمومي.
من هنا، ولهذه الإشكالية المعقدة التي تخضع لشروط غير موضوعية، وتحكمها ثقافة اجتماعية من المفترض أن لا تتسلل لجهاز حزبي واع ومؤدلج، لجأت قيادات الحزب لطريقة التعيين لفترة من الزمن، ما جعل الجهاز الحزبي بشكل عام غير راض عن هذا الأسلوب، لجهة دخول المحسوبيات والحسابات الخاصة والفساد لجسم تلك العملية غير الديمقراطية. وبالمقارنة ما بين الطريقتين، من المؤكد أن قيادات منتخبة أفضل نسبياً من قيادات معينة، سيما وأن الجهاز الحزبي وهيئة الناخبين هي من يتحمل مسؤولية تلك الخيارات، ما يحرر القيادات العليا من تهمة الفساد والمحسوبيات والمصالح الخاصة والتكتلات.
من هنا- وبعد انعقاد اللجنة المركزية للحزب، وهو الاجتماع الذي طال انتظاره، وتدشينه بكلمة الرفيق الأمين العام للحزب، الدكتور بشار الأسد، والتي تضمنت تحليلاً موضوعياً لآليات اختيار القيادات الحزبية، والممثلين للمؤتمرات، والمفاضلة ما بين أسلوب التعيين والانتخاب وتبيان إيجابيات وسلبيات كل منهما، والانحياز لعملية الانتخاب بوصفها الصيغة الأفضل والأنسب، وحسمها كخيار نهائي في انتخاب أعضاء الحزب وممثليه للاجتماع الموسع للجنة المركزية لحزب البعث، والذي سيفضي لانتخاب واختيار أعضاء اللجنة المركزية، ومن ثم القيادة المركزية، للحزب بوصفها القيادة العليا للبعث – تأتي أهمية أن يعي الناخبون البعثيون، ابتداءً من انتخابات الشعبة، أهمية هذه العملية الديمقراطية، فهي ليست انتخابات لقيادة فرقة أو شعبة، وإنما للجنة مركزية وصفها الرفيق الأمين العام بشار الأسد، غير مرة، بأنها “العقل المفكر في الحزب وبرلمانه”، ما يعني أن محصلة هذه العملية بمستوياتها الثلاثة يجب أن تكون نخب فكرية وثقافية ونضالية وتنظيمية، أي بنك عقول يعول عليه في وضع الخطط والبرامج وأوراق العمل التي ترفع وترتقي بمستوى الأداء العام، وتنهض بدور الحزب الذي أصيب بالتكلس والترهل والنشاط المناسباتي الاحتفالي، دون ديناميكية عالية الوتيرة، وفاعلية اجتماعية حقيقية، ودور فاعل في المجتمع، بل تحول إلى أشبه ما يكون بسلطة موازية لسلطة الحكومة، ما كرس إشكالية تاريخية لم تحلّ حتى الآن، وهي العلاقة بين السلطة والحزب، علماً أن حزب البعث هو الحزب الحاكم في البلاد بوصفه صاحب أغلبية في البرلمان، ويمتلك الشرعية الدستورية وفق ذلك، ما يعني أن وجود مادة ثامنة في دستور الجمهورية العربية السورية من عدمه لا يرتب أية آثار قانونية أو مقيدة لعمل الحزب أو السلطة، شريطة أن يتحرك كل منهما في ملعبه، فالعملية تكمن في حدود من يمارس كل منهما دوره ووظيفته في حدود الاختصاص، فالحزب يضع السياسات العامة والخطوط العريضة والعناوين الكبرى، والحكومة تمارس التنفيذ، ولكن بأدواتها وخططها وبرامجها التنفيذية، أخذاً بالاعتبار ما جاء في كلمة الرفيق الأمين العام بأن على اللجنة المركزية تقديم أوراق عمل تطرح على الحزب والحكومة، وكذلك على الرأي العام، عبر وسائل الإعلام، بحيث يضاف إليها من قوى المجتمع المدني وغيره، فتتحول من مشروع حزبي إلى مشروع وطني، الكل يساهم ومساهم في صياغته والشراكة في تنفيذه والتفاعل مع حيثياته، أي الانعتاق في العمل والمسؤولية من الحزبية إلى الوطنية، وهذه هي الشراكة في أبعادها الحقيقية.
النقطة الأخرى التي يجب التوقف عندها تتعلق بدور اللجنة المركزية، كما راهن عليه الرفيق الأمين العام عندما وصفها بالعقل المفكر والبرلمان الحزبي، فالواضح من خلال عمل اللجنة المركزية الحالية، والتي قبلها وقبلها، أنها لم تمارس أي من الدورين؛ فلم تكن العقل المفكر بدليل عدم وجود مقترحات أو أوراق أو أفكار قدمتها اللجنة المركزية لا لقيادة الحزب، ولا من خلال الحزب للحكومة، تتعلق بقضايا اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية ترتقي بالسياسات العامة وقضايا التنمية والتحديات التي واجهت وتواجه البلاد منذ اثني عشر عاماً، ولا تزال، ناهيك عن أنها – أي اللجنة المركزية الحالية – ومن سبقها، لم تمارس دور الناقد أو المحاسب أو المقوم لأداء القيادات الحزبية، لا بل على العكس فالقيادة الحزبية هي من يحاسب أعضاءها لا العكس، وأحد أسباب ذلك هو أن معظم أعضاء اللجنة المركزية، من قيادات الفروع والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية، خاضع أصلاً في تعيينه أو إعفائه لقرارات تتخذ من القيادة المركزية. فكيف لأعضاء هذه اللجنة أن يسائلوا أو يحاسبوا أو حتى ينتقدوا قيادة تملك كل هذه الصلاحيات وتمارسها؟
إن الشارع السوري والحزبي بشكل عام، وعلى الرغم من إحباطاته، أصبح في غالبيته يعيش حالة من الأمل والتفاؤل النسبي بأن الحزب الذي يشكل الرهان عند الكثيرين قادر على القيام بعملية تطوير فكرية وتنظيمية ومقاربات جديدة لقضايا وعناوين كبرى أشار إليها الرفيق الأمين العام في كلمته أمام اجتماع اللجنة المركزية؛ مع الإشارة إلى حقيقة أن لا تطوير في المجتمع والدولة إن لم يكن ثمة تطوير، بل وتغيير، في الحزب كعناوين ومفاهيم وسياسات وطرائق تفكير وذهنيات، فثمة قاعدة تقول أن الأفكار يأتي زمن فيتزوجها، ثم يأتي زمن آخر فيطلقها أو تصبح أرملة!!