الدعم الاجتماعي يتبخّر..!!
علي عبود
كلّ المؤشرات تؤكد أن الدعم الاجتماعي لملايين الأسر السورية يتبخّر عاماً بعد عام، وقد يكون العام 2024 الأخير الذي سيحظى فيه العاملون بأجر أو المتعطلون بدعم أو إعانات عينية أو مادية.
والمسألة لا تقتصر على الفقراء فقط، وإنما تشمل القطاعات الإنتاجية أيضاً، فالزيادات المتتالية على المحروقات ومستلزمات الإنتاج، وآخرها رفع أسعار الأسمدة والمازوت المباع لقطاع الدواجن، بمثابة رسالة لكل المنتجين عنوانها: وداعاً للدعم!
وإذا أخذنا محاصيل مثل القمح والحمضيات والقطن والذرة الصفراء، كمثال، سنكتشف أن غالبية المنتجين غير قادرين على شراء مستلزماتها، بل تحوّل الكثير منهم إلى الزراعات البديلة، وتحديداً الزراعات الاستوائية والعطرية فتكاليفها أقل ومردودها أسرع وأربح!
ومن الملفت أن وزارة الزراعة بدأت تشجّع على الزراعات البديلة بدلاً من التشجيع على الاستمرار بزراعة المحاصيل الاستراتيجية، لتعود كما كانت عبر عقود تؤمن الاكتفاء الذاتي من الغذاء والأعلاف والمادة الأولية للصناعات الوطنية.
لقد انتهى عام 2023 دون أن تحصل غالبية الأسر السورية على الـ 50 ليتراً، حصتها من مازوت التدفئة، وقد بشّرتنا عدة جهات بأن هذه الكمية الهزيلة ستصل حتماً إلى جميع الأسر، ولكن في شهر آذار القادم، أيّ بعد نهاية فصل الشتاء!!
وبالمقابل، لم تُوزّع العام الماضي سوى دورة واحدة من المواد المدعومة، وقد لا توزع أيّ مواد منها العام الحالي، بعد اعتماد توزيع سلع أساسية على البطاقة الذكية بأسعار أقل من مثيلتها في الأسواق، لكنها أعلى من القدرة الشرائية لملايين العاملين بأجر، وهذا مؤشر على أن توزيع المواد المدعومة يتبخر تدريجياً!
السؤال: ما أسباب إلغاء الدعم تدريجياً عن ملايين الناس والمنتجين؟
لو استقصينا عمليات تقليص المواد المقنّنة والمدعومة من جهة، وزيادة أسعارها لتقترب بسرعة من مثيلاتها العالمية من جهة أخرى، لاكتشفنا أن المسألة تتعلق بموارد الدولة، فهي تنخفض بدلاً من زيادتها عاماً بعد عام، وهذا ما تردّده عدة جهات حكومية بشكل جازم وحاسم: لا يمكننا الاستمرار بالدعم!
وثبت خلال السنوات السابقة أن عبارات مثل “إيصال الدعم لمستحقيه” لم تكن سوى شعار أو فقاعة إعلامية، فالدعم لم يعد يصل سوى بالفتات سواء للمنتجين أو المستحقين، باستثناء مادة الخبز.
والسبب كما كشفته موازنة عام 2024 هو تراجع إيرادات الدولة، فعلى الرغم من الزيادات المتتالية خلال فترات قصيرة للمحروقات ولكل مستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي، ولتقليص كتلة الدعم الاجتماعي والرواتب والأجور، ولزيادة التحصيلات الضريبية والغرامات.. إلخ، فإن إيرادت الدولة تسجل تراجعاً من عام إلى عام دون أن تكشف الحكومة أسباب هذا التراجع!
ورقياً، ستزيد الإيرادات العامة من 11690 مليار ليرة في موازنة 2023 إلى 26096 مليار ليرة في موازنة 2024 بمبلغ 26096، أيّ بزيادة ورقية كبيرة مقدارها 14406 مليارات، وبنسبة تتجاوز 123%، ما يعني نظرياً تحسّناً في الإنفاق على الإنتاج والدعم، ولكننا فعلياً أمام زيادة وهمية لأن القوة الشرائية للإيرادات العامة حسب السعر الرسمي للدولار في الموازنتين انحفضت من 3.9 مليارات دولار تقريباً إلى 2.26 مليار دولار فقط. كذلك ستنخفض الإيرادات الاستثمارية من 1.47 مليار دولار (4424 مليار ليرة) في موازنة 2023 إلى 0.96 مليار دولار (11055 مليار ليرة) في موازنة 2024!! وهذا الانخفاض سيؤدي إلى مزيد من تبخر الدعم الاجتماعي وصولاً إلى اختفائه كلياً من حياة ملايين السوريين!
وعندما تتحدث الحكومة عن المخاطر المالية التي ستتعرّض لها موازنة عام 2024، وأبرزها استمرار التقلبات في سعر الصرف مقابل الليرة السورية، وارتفاع معدلات التضخم ومخاطر تأثيره على العديد من بنود الموازنة في جانب النفقات، من خلال تغير وانحراف أسعار السلع الأساسية (مشتقات نفطية – قمح- أدوية..)، فإن السؤال يطرح نفسه: ما سياسات الحكومة لتثبيت أو تخفيض سعر الصرف وزيادة إيرادات الخزينة من خلال الدعم الفعلي لا اللفظي للمنتجين ولملايين الأسر السورية؟