إدارة بايدن ومنطق “إما الآن وإما أبداً”
تقرير إخباري
لم تكن دعوة رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين محاكمة الرئيس الأمريكي جو بايدن عبثية، فالبنظر إلى مضمون هذه المطالبة فهي تحمل في طياتها رسالة عميقة بأن إدارة بايدن وكل الإدارات الأمريكية يجب أن يتم اقتيادها إلى المحاكمات، ليس فقط على القرارات الخاطئة التي اتخذوها، بل على الإبادات البشرية الجماعية التي ارتكبوها أو غذوها ابتداءً من إبادة الهنود الحمر، وليس انتهاءً بالحروب التي اقترفوها وليس آخرها ليبيا وسورية وأوكرانيا وغزة.
بالنظر إلى طبيعة هذه المطالبة لفولودين فهي ليست الأولى عبر التاريخ، إذ وجدت في مذكرات ملكة بريطانيا إليزابيث تحذيرات من نشوب حرب عالمية ثالثة في عام 1982 إبان أزمة “إيبل ارتشر” بين حلف شمال الأطلسي والاتحاد السوفييتي، وتكرّرت تلك الدعوى في تصريحات رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف المنتقدة لزيادة دعم “الناتو” لنظام كييف ضدّ روسيا، وما تلاها من تحذيرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السياق ذاته، وبعد بدء العدوان على غزة وحضور بايدن في المعركة، حذّر أيضاً رئيس الحزب الشيوعي الروسي من أن واشنطن عازمة على جرّ العالم إلى حرب عالمية ثالثة، وحتى على المقلب الأمريكي فقد نوّه الرئيس السابق دونالد ترامب بأن هناك “حمقى” يديرون ملفات حساسة في الإدارة الأمريكية وسيسببون حرباً عالمية ثالثة.
ومع ظن الأغلبية حول العالم أن ملف الصراع الأوكراني بدأ يخبو، إلا أن هذا الملف قد يعود للاشتعال عبر أمران، أحدهما رغبة الغرب في مدّ نظام كييف بطائرات F-16، ومن المعلوم أنها لا تتوافق مع مطارات النظام الأوكراني، ما يعني تحليقها عبر مطارات دول “الأطلسي” في جوار أوكرانيا مثل بولندا، وبالتالي حدوث ذلك سيسبب توسيع ساحة الحرب، أما الأمر الثاني فيكمن في رغبتهم بحصار مقاطعة كلين غراد الروسية لحرمان روسيا من بحر البلطيق، وهذا الحصار إن وقع سيكون أيضاً من الأمور التي ستستدعي تدخلاً عسكرياً روسياً قد يوسع أيضاً جبهات الصراع. أما ما تفعله إدارة بايدن الآن في البحر الأحمر فيمكن تلخيصه في أنها تريد القول، إن مشروعات الصين وروسيا وكل القوى الصاعدة في الشرق الأوسط، وخاصة مبادرة الحزام والطريق “ستعرقل” كون نقطة بدايتها البحر الأحمر الذي خرج عن سيطرة تلك الإدارة، وبالتالي فإن هذا سيكون استفزازاً كبيراً من بايدن لهاتين القوتين وإن استمرت استفزازاته فقد نكون أيضاً أمام احتمال الإنزلاق إلى صدام لا تحمد عقباه.
إن روسيا والصين وغيرهما من القوى الصاعدة لا تطمح للدخول في أي حرب مع أمريكا أو أي من دول المركزية الغربية، فشعارهم إحلال السلام والتنمية المستدامة بشكل جماعي عبر العالم، وكل ما يسعون له حالياً هو جمع دول العالم لجرّ أمريكا من جادة “منطق قانون القوة” إلى جادة “قوة القانون” بالتركيز على تفعيل مؤسسات القانون الدولي التي لا تقيم لها واشنطن أي وزن عبر منحها “الفيتو” بهدف إبادة الشعب الفلسطيني الآن، وربما غيره من الشعوب غداً، إن لم يتم وضع حدّ لتصرفاتها غير القانونية أو الإنسانية.
بشار محي الدين المحمد