ثقافةصحيفة البعث

التشكيلية الإماراتية نجاة مكي: سورية بلد الثقافات وأعمالي دوران الإيحاءات

غالية خوجة

يتنوع المشهد الثقافي التشكيلي في دولة الإمارات العربية المتحدة تنوعاً يشكّله مثقفون وفنانون إماراتيون بكلماتهم الشعرية والسردية والحكائية والبحثية، وبألوانهم وحكاياتها، ومنحوتاتهم ومجسماتهم ومخيلاتها، وذاكرتهم وسردياتها، والمكان وتحولاته، والزمان ومتغيراته، فتراه مشهداً مندفعاً منذ مرحلة التأسيس، إذ انطلقت مبادرات فنية فردية وجماعات فنية عدة، وتأسّست جمعيات ومتاحف وصالات عرض فنية حكومية وفردية خاصة، ومناطق ثقافية وأحياء فنية، عبوراً بالورشات المتواصلة، ولوحات الجداريات في الأماكن والمرافق العامة، ومعارض الهواء الطلق بين الشواطئ والصحارى، والتجريب الفني التكنولوجي، وصولاً إلى سرديات المهرجانات والمعارض والبيناليات الفنية المحلية والعربية والعالمية، وتتضمن القائمة أسماء فنية استطاعت أن تخطّ لذاتها مكاناً مميزاً على الخارطة الفنية، ومن بينهم الفنانة التشكيلية الدكتورة نجاة مكي.

عاصفة الأفكار تتلون بالتجارب 

لننطلق من نبذة تعريفية بالفنانة الحاصلة على جوائز عدّة، منها جائزة التحكيم في بينالي الشارقة الأول 1993، وجائزة مجلس التعاون الخليجي 1998، وجائزة مهرجان المحبة السوري 1999، وجائزة الإمارات التقديرية للفنون والعلوم والآداب 2007، كما أنتجت عنها الشاعرة التشكيلية والمخرجة نجوم الغانم فيلماً وثائقياً بعنوان “أحمر أزرق أصفر”، عرض في الدورة 36 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.. ولنتعرف إلى مسيرتها أكثر كان لصحيفتنا هذا الحوار، ومن خلاله أخبرتنا عن بدايات كانت أحلاماً تصوغها متخيّلة تحقيقها، وكيف حاولتْ جاهدة أن تكون كما تتمناه، لكن العثرات تظهر أحياناً، والجميل أنها تقودها إلى طريق آخر وبداية حلم جديد، مؤكدةً: “هكذا هي الحياة ومفاجآتها، فلا نيأس، ما دمنا نتنفس، وما دام قلبنا ينبض”.

الخرافات المحلية والأساطير وأثرها 

وفي هذا المجال تحدّثنا مكي: “الخراريف” باللهجة الإماراتية هي بوابة عبوري إلى الحلم، واستمعت للنساء وهن يسردن الأحاديث والخرافات التي حلقت بي إلى آفاق ممزوجة برائحة الأرض والطبيعة التي ولدت فيها، منها اقتبست الحوار، وأكملت الحكاية، ودخلت إلى عوالم السندباد البحري، وغامرت معه، ولاسيما أن قراءة المجلات تشدّني، ومنها مجلة “سندباد”، ذاك البطل الذي يجوب البلدان وما يتعرّض له من أحداث وغرائب، فجاءت قصصي الفنية من خلال جمال اللون ونصوعه وقوته، لكنه، أحياناً، يصبح باهتاً مصفراً ليعبّر عن الألم والتعب، فأتدحرج على الكثبان الرملية في الصحراء، متخيلة نفسي في وسط البحر، فيعلو بي الموج، ويتقاذفني، وأراني قرب الشاطئ، وهنا، أعود من الحلم لأتابع قراءة بقية الرحلة التي بدأتها مع معرضي الأول بدبي، وأول معرض لأي فنان يكون بصمته التي يتركها في بداية مشواره، فلا يتجاوزها بسهولة، لأنها النقطة التي يبدأ منها البناء الحقيقي لمشروعه، وكان لهذا المعرض أثره الذي جعلني أجتاز تجربة الألوان الفسفورية، لأنه كان عاصفة من الأفكار الطارقة لكل التجارب.

مزيج لوني سري

تبتكر مكي ألواناً خاصة بها كألوان البهارات والطبيعة والأسود بخلطته السرية والأرجواني، بالإضافة إلى اعتمادها مواد خاماً تتنوع بين خشب وطين ورخام وجبس ومعدن، توضّح مكي: “بحكم علاقتنا بالبيئة، نجدنا نقتبس منها، فحقيقة اللون وأسراره موجودة في خلق الله، لذلك، وجدت في ألوان البهارات جمالية طبيعية، وأحببتُ تقديمها بطبيعتها في أعمالي، ولا أخفيك أن الفنان يجرب قدر المستطاع من دون ملل حتى يصل إلى قيمة اللون الصافية، ودلالاتها المبتغاة عندما يمزجها مع بعض الألوان، وقد تُظهر الصدفُ ألوانها بشكل مريح.

وتابعت: “أعدّ نفسي في حلم دائم، واللون يسيطر على الشعور والعقل، والعمل يحلم معي، فنمرّ بمراحل ومحطات بين الشدّ والجذب، وقد يتوقف العمل ساعات عدة أو شهور، ثم يعاود الظهور متنوعاً مع الأشكال وتعدّدها، متشاركاً مع البيئة المولّدة لأفكار وصيغ جديدة، ويتداخل مع المواد التي أراها مناسبة لتشكيل العمل الذي يتشكّل، فمثلاً، الأخشاب وخطوطها وتعرجاتها توحي بالتنغيم الموسيقي، وهذا ما نجده في طريقة بناء المساكن البدائية المعتمدة على وضع جذع فوق آخر لتكوين حائط، وهكذا هو الفنان، عندما يضع طبقات لونية فوق بعضها، مرتكزاً على التدرجات بين القاتمة والفاتحة، تغنّيها أفكاره بشكل جمالي تبعاً للأنسب لعمله، كما أن الصخور تعطيه أبعاداً أخرى بأشكالها وألوانها وبريقها، ولاسيما من خلال سحقها للوصول إلى ألوان ترابية بتدرجات يتمّ توظيفها في العمل لإضافة ملامس وسطوح لا تكتفي بالحواس، بل تضيف إليها بعداً ثالثاً، وهذا ما فعلته، أيضاً، فنون العصور القديمة، وطريقة العمارة التراثية التي ترصّ الأحجار فوق بعضها للبناء، وتضيف الخشب للأسقف، ونحن أيضاً، نوظف أفكارنا لتكون فناً بمنفعة وجمال، مرتبطاً بالبيئة والإنسان والمجتمع ارتباطاً وثيقاً متكاملاً مع الطبيعة وأشكالها وتعبيراتها وشبكتها الرمزية الدالّة، مثلاً، على المعتقدات والعناصر الطبيعية التي لا تنتهي”.

إيقاعات بصرية لا تتشابه

وبسؤالها عن كيفية إبصارها أعماق العمل الذي سيكون قبل إنجازه؟ تجيبنا مكي: “كم استوقفني هذا السؤال، وأبصرت أنني عندما أجسد البيئة البدوية (الصحراوية) أتخيّل الكثبان الرملية كتكرارات في مشهد يظلّ متشكلاً، وتجمعات النخيل إيحاءات، وأشجار الغاف والسدر وغيرها من الأشجار الصحراوية عالماً متحولاً ودائم التشكّل عبر الأفق، إضافة إلى تخيّلي للبحر وتشكلاته المتشابهة مع الكثبان، لكنّ الإيقاعات البصرية مختلفة، فأشعر بأنها غير متشابهة، هكذا أتخيل المشهد وأنا في حالة البناء التكويني للعمل الفني”.

تشابك المفردات الجمالية

وحول توزيع تجربتها بين التشكيل اللوني والنحتي، والعلاقة التقنية والمفردات الجمالية بين العالمين، تؤكّد مكي: “مع تطور العصر والتكنولوجيا تطورت المواد، وتالياً تقدم متوافق في عملية دمج المواد عند الفنان المعاصر بما يتوافق مع تجربته الفنية وكيفية طرحها للمتلقي، ولكوني تخصّصت في مجال النحت البارز اتجهت في الكثير من الأعمال إلى إضافة عجائن وأصباغ تحمل أبعاداً بصرية، تكون نافرة عن سطح اللوحة، لتوحي بالبعد الثالث، كما وظّفت قطعاً من المعدن أو الأقمشة على مسح اللوحة في طبقات مركّبة بشكل عشوائي أحياناً، وأحياناً أخرى في ترتيب منظم لتوحي بالأبعاد من خلال الألوان، أما في مجال تقنية الألوان الفسفورية فالأمر يختلف، إذ إن التلاعب بالظلال هو ما يعطينا الإحساس بالأبعاد، لقد تنقلت كثيراً بين الخامات مثل الورق والأقمشة والمعادن والخرز وقطع البلاستيك والرمل”.

شيفرة الهارموني التراثي

ولكونها تعتمد في أعمالها على ثيمات موضوعية محلية، خصوصاً، المرأة الإماراتية وطموحاتها وفلكلورها، بالإضافة إلى المكان الإماراتي وبيئته المتنوعة، ودمج التراث بالحياة المعاصرة، سألتها: ما هي شيفرتك السرية التي تجعل هذا التداخل منسجماً؟ فأجابت: “للمرأة حضور قوي وواضح في جميع أعمالي، فمنذ بداية الطريق ظهرت المرأة بشكل واضح وصريح، ومن خلال اشتراكي في المعارض، وتطورت الصورة تدريجياً، وتفرعت مفاهيمها ودلالاتها، ورموزها سواء في اللون أو الخط والكتلة، ولربما تكون، أحياناً، شجرة “غاف”، أو نخلة باسقة تظلل الجالس في ظلها، وأحياناً أمّاً حنوناً تحتضن الكون بكل حب”.

قصائد ابن سينا دائرتي الأولى

للأشكال الهندسية، خصوصاً، الدائرة، محور أساس في أعمالها المختلفة، فتساءلت: هل لأن الأبعاد مغلقة؟ أم لأن الجهات لا توارب؟ أم لأن الأزمنة تدور؟ أم ماذا تقول فلسفتك للنص الكامن وراء الألوان وأشكالها؟ لتجيب: “اشتغلت على بعض القصائد لابن سينا، وكانت الدائرة هي مسطح العمل، ومن معانيها انطلقت إلى ما تتضمنه من عمق نفسي وبصري وروحي، بعد ذلك، بدأت البحث من جديد عن أفكار جديدة بعيداً عن التكرار، ورأيت كيف للظواهر الكونية تكرارات متجددة مثل شروق وغروب الشمس، ودورة حياة القمر والنجوم، وحكايات البحر بين المدّ والجزر، وأصوات الفضاء البعيد بين متواليات الليل النهار، فانعكست على بعض أعمالي ومعارضي المتنوعة، منها “مدارج الدائرة”، وجعلت في هذه المجموعة مسطح العمل الفني الدائرة وأشكالاً هندسية أخرى، وجسدت الدلالات وظواهرها الطبيعية والبيئية واللونية بتكرارات مختلفة، منها تكرار الوحدات الزخرفية، أو الدرجات اللونية، أو اتجاهات الخطوط، أو بعض العناصر البسيطة، أو الأشكال الهندسية، ووظفتها في دوران يوحي بلانهائية الوجود، وأحرص على أن يكون دوراناً متجانساً، ومتناغماً بين مجمل عناصره الفنية والخامات المتنوعة وإيحاءات الفكرة والمعنى والتقنيات وبنيتها التعبيرية ودلالات توزيعها المتتالي في النظام البنائي توزيعاً جمالياً، تماماً، كما لو أننا نستمع لمقطوعة موسيقية تكرر بعض جُملها بتوزيعات دلالية مختلفة، لكنها في اللوحة تكرر موسيقاها اللونية بتنويعات وجدانية متجانسة مع الظواهر الكونية.

مخيلتي أغرقت سفينة “زيوس

ترى، ما الأثر التأثيري للعملات النقدية القديمة في حياتك؟ ماذا تحدثينا عن هذه العلاقة؟ وما أهميتها الكتابية والرمزية والإعلامية في أعمالك؟ ولماذا اخترت شخصية “كروسوس” اليونانية؟ ولماذا أغرقت “زيوس” وكنزه في بحر لوحتك؟ توضّح مكي: “العملات المعدنية عالم مليء بالجمال والفلسفة والإبداع، فهي تعرفنا علي فلسفة شعب عبر مراحل زمنية مختلفة، وتبحر بنا عبْر عصور التأريخ الإنساني من زمان ومكان، وتحكي لنا عن حياة الملوك والربات والآلهة القديمة، وتفصح عن حضارات ازدهرت، وشخصيات تركت أثراً، فهي وسيلة لنشر الثقافة إضافة لكونها مصدراً اقتصادياً، ودراستي للعملات عرفتني على التعمق في هذا التاريخ الإنساني بأبعاده المختلفة من دينية واقتصادية وفلسفية وروحية وسياسية واجتماعية وميثولوجية، طبعاً، إلى جانب الجمال الإبداعي والفني الذي ظهر علي سطوحها عبر العصور منذ بدايتها إلى وقتنا الحالي، فظهرت في أعمالي بأشكال مختلفة، وحاولت في بعض أعمالي تجسيد رموز من التاريخ القديم في منطقة الإمارات وصغت مضمونها برؤية فنية، كما ظهرت في أعمال أخرى بعض الكتابات، ومثّلت بأعمال أخرى رموزاً قديمة لعملات سابقة كعملات أثينا وغيرها.

واسترسلت: “وتكمن أهميتها بمفاتيحها القرائية للتاريخ بتسلسل من خلال ما حملته سطوحها من رموز وكتابات ونقوش، خصوصاً، في العصر الإسلامي، لذلك، حاولت فنياً توضيح بعض العناصر المستخدمة كرموز مثل الهلال والنجمة والدائرة والأشكال الهندسية والأبراج، كما ظهرت بعض الرموز لمخلوقات خرافية أو حيوانية أو نباتات إلى جانب صور الملوك والآلهة والربات والشخصيات الخرافية مثل “بوسيدون” إله البحر و”أثينا” ربة الجمال، أمّا “كروسوس” فهو أحد ملوك منطقة ليديا، وهو أول من سك عملة من معدن الذهب الخالص عليها رمز هو عبارة عن أسد فاتحاً فمه، وأغرقتُ “زيوس” في البحر كرؤية بصرية خيالية سردت عليّ روايتها بأحداثها وشخوصها، فتخيلت كيف كانت هذه المجموعة من النقود على سفينة غرقت، وبعد سنين تم اكتشافها، وكل ذلك يحدث في لوحتي”.

الصمت دلالات روحية

تطمئن الألوان في أعمال مكي، فتعبّر عن ملامحها بعفوية الصامت، والعاشق، والمتأمل، والغاضب، لكن ما علاقة هذه اللحظات التعبيرية باليوغا؟ تبيّن: “التدبر في قدرة الله يقود الإنسان إلى التأمل في أسرار وقوانين الكون، وللون قدرة على امتصاص الألم، وفي الوقت ذاته، له تأثير قوي على الشعور.. أحياناً، بعض الألوان قد تثير القلق، وبعضها قد يحرك في دواخلنا ذكرى، لأن اللون يمثل جانباً من سلوك الإنسان، والتأثير النفسي للون يُحدث ترددات خاصة على المخ، بعضها يحمل سمات الراحة والاطمئنان، وبعضها يحمل صفات الإرهاق والاضطراب، ويختلف تأثير المؤثرات اللونية من شخص لآخر، فالطبيعة غنية بالجمال الفني وتداخلات الألوان وتعدّدها في المواد الخام، أحياناً يبهرني تغيّر ألوان النباتات في الطبيعة أو مياه البحار مع تغير درجة الضوء في اليوم الواحد، أو مع تغير الفصول، وكل ذلك له تأثير على بصر الفنان وإبداعه، وهذا يدفعني لتوظيف تدرجات من اللون الواحد بكثافة عالية، أو لأمزج لونين كي أظهر الدرجة الجمالية البصرية المناسبة لمضمون عملي، وقد تتشابك هذه المكونات مع الصمت الذي أراه عشقاً للروح عندما تتوحد مع الخالق، هذا الصمت، في نظري، عطاء إلهي، وهنا، نجد أرواحنا في فضاء مطلق، فعندما أبدأ في الرسم أتوحد مع اللوحة كأني أسبح في الفضاء، أمّا أثناء “اليوغا” فنترك لأرواحنا البحث عن الحقيقة، نغمض أعيننا لنرى ألواناً لها دلالات روحية”.

التجريب بين الاختزال والذهول

المتابع لتجربتك، يلاحظ أنّ مراحل فنك المتواصلة تجريبية، وغامرت مع الرسم والنحت والإكسسوار الذهبي وفنيات الضوء والفن المفاهيمي والجداريات، ما الذي يشابك هذه المراحل؟ وكيف تنعكس من حياتك اليومية؟ وما أهم تقنياتها الجمالية من منظور التفكيك والتركيب؟ تجيب: “لا بد أن يكون الفنان متواصلاً مع كل شيء حوله، فيبدأ بالتجريب وتقليد الطبيعة وعناصرها مما يتيح المجال لرؤية جديدة، من هنا يتعلم التجريد ثم يغامر ويقوم بتلخيص الأشياء حتى يصل إلى قناعة تامة من أنه يرسم الطبيعة من خلال نظرته إليها واختزال عناصرها وليس كما يراها الآخرون، لذلك، يتغيّر تعريف الطبيعة بالنسبة للفنان تبعاً لثقافة العصر والاكتشافات العلمية وما أتاحته له من تعمق في دراسة عناصرها وتنظيمها وتركيبها وقوانينها المختفية وراء المظهر الخارجي، وخلال مسيرتي الفنية تطرقت إلى بعض التجارب والتقنيات من خلال فضاءين، أولهما الدراسة الأكاديمية، وثانيهما اللعب بالخامات، ووجدتني سعيدة وأنا أمارس هذا المزاح الجميل مع الألوان ودمجها مع عجائن وخلطات مختلفة، وربما تبهرني النتيجة أو تصيبني بالذهول، خصوصاً، عندما تأتي بعض الصدف لتجربة فيها غنى لوني فريد، لكنني حين أعيد المحاولة قد لا أخرج بالنتيجة ذاتها!”.

ماذا لو؟

أقامت مكي معارض فردية ومشتركة لا تُحصى، وزارت مع فنها دول العالم، فما الذي تهمسين به لنفسك لو زار مرسمها المكتظ بأعمالك كل من “أنجلو” و”بيكاسو” و”دافنشي”؟، تقول: “أعطتني المساهمة في المعارض اطلاعاً ومعرفة أكثر بالفن، وكلما كثرت ازددت خبرة ممن حولي وتعلمت من بعض المواقف، وكم أكون محظوظة إذا زارني هؤلاء العباقرة الذين سأهمس لكل منهم بسر، سأطلب من “أنجلو” إزميلاً، ومن “بيكاسو” ريشة، ومن “دافنشي” قارورة، فالإزميل يذكرني بأن الحياة تحتاج جهداً وقوة وعزيمة، والريشة ألوّن بها كل حلم جميل يراودني، والقارورة أملؤها بالأفكار، فما يهمني هنا طبيعة هذه الأدوات المادية والمعنوية، وسأحتفظ بها لأنها تحمل قصص عباقرة ألهموا فينا روح الإبداع وتركوا بصمة لا تتكرر”.

سورية إبداع الحضارة

شاركت مكي في العديد من المهرجانات العربية والعالمية، ومنها سورية، مثل “مهرجان المحبة”، و”الملتقى الدولي الأول للفن التشكيلي في الرقة” عام 2008 وكان بعنوان “سورية في عيون الفنانين التشكيليين”، وسؤالنا هو: كيف ترى نجاة مكي سورية ومشهدها الثقافي الفني؟ تقول: “لست من أقيّم بلداً له من الحضارة والإبداع آلاف السنين، سورية بلد الثقافات والكتابات والأبجديات الأولى، فكيف لا يكون أبناؤها عباقرة في الفن والإبداع، لقد وجدت عقولاً نيرة وقلوباً تحتضن الضيف، وفنانين يحملون في دواخلهم إبداعاً لا ينضب، وجدت البيئة ساكنة في جوارحهم والجمال الدمشقي يسكن عيونهم، لا أستطيع وصف كلّ شيء لأنني لن أوفي المشهد الثقافي في سورية حقه المناسب”.

صحيفتكم دلالة ديمومة أخضر ابن عربي

أمّا سؤالنا الأخير للدكتورة مكي فكان عن همس تبوح به لصحيفتنا ولم يسبق أن أخبرت به أحداً، لتجيبنا بالقول: “سأنثر بقعة من اللون الأخضر وأخرى من اللون الأصفر ورشّة خفيفة من اللون الأحمر، وعندما تمتزج الألوان أجعلها غلافاً لصحيفتكم، لأخاطبكم بلغة اللون ودلالته بما فيها من رمزية، ما رأيكم بهذه الفكرة؟”.