التحدّيات “القديمة” تحتاج إلى حلول مبتكرة
هناء شروف
تشكّل التغيّرات الديموغرافية مثل شيخوخة السكان وانخفاض معدلات المواليد، تحدّياتٍ، كما توفّر فرصاً للصناعات والاقتصادات. وللتغلب على التحدّيات واغتنام الفرص وخاصة لتحقيق الاستدامة الاقتصادية الطويلة الأجل تحتاج الاقتصادات إلى تنفيذ سياسات تشجّع الابتكارات.
تخلق شيخوخة السكان تحدّياتٍ مختلفة على مستوى الاقتصاد الكلي بما في ذلك الانخفاض المحتمل في الإنتاجية بسبب انخفاض عدد السكان في سن العمل. ومع ارتفاع نسبة إعالة كبار السن يزداد عبء نفقات الرعاية الصحية وأنظمة التقاعد، في ظل تزايد حالة عدم اليقين بشأن الدخل وتراجع الاستهلاك والنمو الاقتصادي.
في شرق آسيا تواجه كل من الصين واليابان تحدّياتٍ كبيرةً بسبب شيخوخة السكان. ومقارنة بالاقتصادات المتقدمة الأخرى واجهت اليابان مشكلة شيخوخة السكان في مرحلة مبكرة قليلاً بدءاً من منتصف التسعينيات مع زيادة نسبة السكان المسنين في اليابان إلى إجمالي السكان، وأثر ذلك في اقتصاد البلاد ما أدّى إلى انكماش الطلب المحلي وانخفاض كل من الإنتاج والاستهلاك وبالتالي النمو الاقتصادي.
قامت الشركات اليابانية بتوسيع استثماراتها المباشرة الأجنبية في الصين وبعض دول جنوب شرق آسيا، واستخدمت العمالة الأجنبية لتعزيز الإنتاج والحفاظ على قدرتها التنافسية عندما بدأ عدد السكان في سن العمل في الانحدار.
وكتب تشارلز جودهارت ومانوج برادان في كتابهما “الانعكاس الديموغرافي الكبير”، أن الشركات اليابانية المبتكرة عملت بنشاط على زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه إلى الخارج، والاستفادة من مزايا التكلفة من العمالة الأجنبية الرخيصة للحفاظ على قدرتها التنافسية من حيث التكلفة وتوسيع حصتها في السوق مثل الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه إلى الخارج والتعاون بين بلدان المنطقة التي كانت مهمّة لتحفيز الإنتاج والحفاظ على القدرة التنافسية.
وخلال الفترة نفسها اندمجت الصين في سوق التجارة الدولية وبرزت كمركز رئيسي لشبكة التصنيع العالمية مدعومة بالعمالة الوفيرة، وبالتالي توفير قوة عمل فعّالة من حيث التكلفة. وإدراكاً منها للفوائد المحتملة قامت الشركات اليابانية بزيادة استثماراتها الأجنبية المباشرة في الصين، وكان الهدف من الزيادة في الاستثمار المباشر الأجنبي للشركات اليابانية في الخارج هو تخفيف التأثير السلبي الناجم عن قلة عدد السكان في سن العمل في اليابان.
ويواجه الاقتصاد العالمي التحدّي المتمثل في تراجع التجارة لأن الحمائية التي تمارسها بعض الاقتصادات تؤدّي إلى تفتيت التجارة العالمية وسلاسل التوريد العالمية، وبالتالي ونظراً للوضع الاقتصادي العالمي الحالي فإن فرص تعزيز النمو من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر في الخارج قد تكون محدودة.
ومع ذلك، من المهم تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي وتعزيز التعاون مع البلدان التي تتمتع بإمكانات نمو كبيرة. إن توظيف الأتمتة وتطوير الذكاء الاصطناعي ضروريان لتعويض الآثار السلبية للتغيّرات الديموغرافية. ووفقاً لدراسة أجراها دارون عاصم أوغلو وباسكوال ريستريبو، نُشرت في مجلة الدراسات الاقتصادية عام 2021 يمكن تعويض تأثير تراجع الأرباح الديموغرافية من خلال اعتماد تقنيات الأتمتة بما في ذلك الروبوتات. إن البلدان التي تشهد شيخوخة سكانية سريعة مثل اليابان تقود الطريق في استخدام الروبوتات لمعالجة النقص في العمالة.
تتمتع الشركات في جمهورية كوريا الجنوبية واليابان مثل Hyundai Motor وSamsung وToyota بميزة تكنولوجية في مجال الروبوتات الصناعية وتمتلك العديد من براءات الاختراع في مجال الروبوتات وفقاً لتقرير Statista في عام 2023. وفي الصين تتمتع شركات مثل Baidu وTencent وتقود شركة State Grid Corporation عملية الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي حيث تمتلك أكبر عدد من براءات الاختراع في هذه المجالات. وفي الواقع تتخذ جمهورية كوريا والصين واليابان خطوات لتعزيز قدرتها التنافسية في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات.
سوف يلعب الذكاء الاصطناعي والروبوتات دورا حاسما في تحفيز الإنتاجية والابتكار من خلال التعويض عن الانخفاض في عدد السكان في سن العمل وسوف تؤدي الزيادة اللاحقة في الإنتاجية بدورها إلى زيادة الطلب على العمالة من خلال خلق فرص عمل جديدة.
يؤدي الذكاء الاصطناعي والروبوتات وغيرها من التقنيات المتقدمة إلى ظهور مهام جديدة داخل مجالاتها وعبر القطاعات الأخرى. ولذلك من الضروري تنفيذ سياسات التعاون لدعم الشركات التي تشجع الابتكارات من خلال زيادة الاستثمار في البحث والتطوير وتسهيل احتضان الشركات الناشئة وبناء نظام مضمون لحماية الملكية الفكرية. وبما أن الذكاء الاصطناعي والروبوتات قد يحلان محل وظائف معينة فمن الضروري معالجة التحديات المحتملة التي قد تخلقها في سوق العمل ووضع استراتيجيات لضمان التحول المتوازن والشامل.