البعثيون في مواجهة ذاتهم.. هل ينحجون في إحداث تحولات نوعية في بنيتهم الفكرية والتنظيمية؟
السويداء- رفعت الديك
ما أن أعلن عن بدء التحضيرات لانتخاب لجنة مركزية جديدة للحزب، وكذلك قيادة مركزية حتى بدأ حراك داخل صفوف الحزب تدل عليه دماء جديدة بدأت تتورد في شرايين البعثيين لما حملته الانتخابات، وما في طياتها من تعليمات تعكس رغبة حقيقية بخوض تجربة جديدة في هذا الاستحقاق، وقد برزت جدلية هامة بين صفوف البعثيين من جهة، وجماهير البعث من جهة ثانية تربط بين ضرورة إحداث تغيرات تنظيمية وفكرية في بنية الحزب للاستمرار في أداء رسالة البعث، كما يقول الرفيق أنور الحسنية الذي أكد أهمية وجود كوادر قادرة على حمل هذه الرسالة والتعبير عنها، وهذا يتطلب التجديد والتغيير البنائي والوظيفي كعنوانين للمرحلة القادمة في حياة البعث، فالبعث اليوم كما يقول الحسنية لا يحتاج إلى شعارات، بل إلى روابط جديدة بالمجتمع تكون أكثر عمقاً وأكثر وضوحاً
شوائب سابقة
وفي كل مرة تفتح أبواب الانتخابات داخل صفوف الحزب حتى تقفز إلى الواجهة مطالب أهمها التخلص من شوائب الجولات السابقة من الانتخابات، ونقصد هنا المحسوبيات والشللية، وقد يكون المال السياسي، ولكن بدرجة أقل. والحديث في هذه النقاط الثلاث ليس من باب الترف النقدي بقدر ماهو ظاهرة ترغب القواعد البعثية التخلص منها، وإن كانت هي المسبب الأساسي لها.
وهنا يقول الرفيق علاء مهنا أن نجاح الانتخابات، وخصوصاً في ظل الظروف الراهنه والتي تعتبر تحدي كبير لإنجاح فكر البعث وتوجيه الدفه بالطريق الصحيح، ويعتمد ذلك على الاختيار السليم المبني على قواعد واضحة تختار الأكفأ بعيداً عن أي تكتلات أو محسوبيات، وليكن المعيار الأول والأخير من أبقى على راية البعث قولاً وفعلاً في هذه المرحلة، وأن لا نسمح لمن اختبأ من المواجهة أن يساوم أو أن يكون له دور في المرحلة المقبلة.
ويوافقه الرأي الرفيق الدكتور فاروق شرف الذي أكد على ضرورة عدم التمسك بالمعايير السابقة /طوائف.. عائلات.. إناث و ذكور/ لاختيار الأشخاص الفاعلين، فالمرحلة تحتاج لمن لديه روح المبادرة والمقدرة على اتخاذ القرار بالوقت المناسب، لأننا بظروف استثنائية و بحاجة لاستثنائيين.
وللوصول إلى الرفاق الفاعلين، يطالب الرفيق كرم العلي بوضع روائز تعتمد على الخبرة والعلم والشهادة، والابتعاد عن التمثيل العائلي والطائفي والاهتمام بالسجل الشخصي الاجتماعي، وأن يكون التفكير بالمرحلة القادمة خالياً من التكتل والمحسوبيات والتشلل.
مخرجات جديدة
وإن كان اليوم من المبكر الحديث عن نجاح الشكل الجديد للانتخابات والذي من المفترض أن يتكلل بمخرجات مختلفة عن تلك التي اعتدنا عليها وتالياً يجب ألا نبني الكثير من الأحلام الوردية بأن تساهم تلك التجربة بقلب الطاولة في وجه كل حالات الترهل والضعف والسلبيات التي تشوب الانتخابات الحزبية وتالياً عمل الحزب، يقدم هنا الرفيق نايف حمزة مجموعة مقترحات أهمها أن يكون هناك فرصة لقيادات الفرق والمكلفين لأكثر من دورة انتخابية فهم أحق من الذين مارسوا عملاً إدارياً وكانوا بعيدين كل البعد عن البعث ومبادئه وأهدافه، والأهم حسب حمزة أن يتمتع رفاقنا بالوعي الانتخابي والابتعاد عن التكتلات الانتخابية، واختيار الأجدر ممن يستطيع أن يتحمل المسؤولية، ويواجه بكل جرأة وينقل هموم رفاقنا على كافة المستويات بدون مراوغة أو خوف من قول الحقيقة كما هي.
ويضيف الرفيق عمران الجباعي معايير أخرى منها أن يكون الانتقاء من بوابة واسعة تتيح للجميع، وخاصة من أصحاب التجربة والقاعدة الاجتماعية أن يصلوا إلى قاعة القرار الحزبي في كل مستوياته، لأن المجتمع رغم اختلاف الانتماء ورغم التلوث الذي نشهده مازال يمتلك بوصلة عمل حقيقية تسمح له بانتقاء الأميز لمن يراه الأميز.
وبما أن القاعدة الحزبية لا تملك الوعي الانتخابي الكافي، كما يقول الرفيق كمال شجاع بل تمارس الانتخابات وفق العاطفة أو الانتماء العشائري أو العلاقات الشخصية، وأحيانا وفق المصالح الضيقة، لذلك لكي نصل للهدف المطلوب بوصول كوادر تؤمن فكراً وعقيدةً بمبادئ البعث، وتمتلك رؤية إبداعية إستراتيجية، يقترح هنا شجاع أن تختار القيادة ضعفي العدد المطلوب من المرشحين يتم الانتخابات عليهم لاختيار العدد المطلوب، وبذلك نضمن وصول كادر مميز شاركت بانتخابه القاعدة بعدما اختارته القيادة، وبذلك تضيق مساحة المحسوبيات والتدخلات لأغراض شخصية.
وإذا كان الرفيق عصمت أبو عساف اتجه للحديث بواقعية أكثر، فقال أنه لا يمكن لأحد أن يمنع التكتلات أو الشللية، لأنها وللأسف في الفترة الماضية كانت هي السمة المطلقة ولا يمكن منعها إلا من خلال ضوابط للانتخابات مثل الفترة الزمنية للرفيق البعثي في ممارسته لمهامه الحزبية والتزامه بها، وكذلك الشهادات الجامعية التي تمثل كافة الاختصاصات لأنه من الضروري أن نرى الشخص ذو الاختصاص في المكان الذي يناسبه، لأن الرفيق رئيس المكتب هو مسؤول عن فريق كامل، وكل أفراد هذا الفريق هم من المختصين، فكيف لا يكون هو مختصاً؟ وكذلك يجب الانتهاء من ضعف العدد والاكتفاء بالعدد اللازم فقط. وكذلك ممثلي الشباب يجب ألا يكون مفروضاً بعدد، فهناك كثر من الشباب لديهم رؤى ومبادرات مؤثرة وفاعلة، وكذلك الابتعاد عن التمثيل المناطقي، إذ ليس بالضرورة أن تُمثل منطقة برفيق وهناك رفيق من منطقة أخرى أحق وأجدر. ومن المعايير التي اقترح الرفيق عمران الجباعي وضعها، أن تختار القواعد ممثليها دون أي احراجات أو تشويش. وأضاف الجباعي أن يكون النصف انتخاب والنصف تعيين، ولكل ايجابياته وسلبياته و لاداعي للتفصيل فالجميع يعرفها. أما الأمر الثالث هو أن يراعى تمثيل الجميع من خلال إشراك البعثيين القياديين بالشعب، وتمثيل المنظمات والنقابات والجامعات والاتحادات وتمثيل كل الشرائح والأعمار.
منعطف أساسي
ولا يختلف إثنان حول أهمية الانتخابات كحلقة ضرورية وحاسمة في مضمار حياة الأحزاب. وهذا ما يقدم عليه حزب البعث في هذه الفترة بعد العديد من المحطات التي مرَّ بها ساهمت بتشكيل آراء بين من يرى بأنَّه أضحى في دور الكهولة، ومن ينظر إليه بعين التفاؤل المصحوب بالنظرة السرمدية. وهناك من يراه من وجهة نظرٍ واقعيةٍ كحزبٍ يمرُّ بمحطاتٍ تاريخيِّة، وهذا حال كلِّ الأحزاب حول العالم، لذا فإنه الآن مقدمٌ على خطوةٍ مصيريِّة، كما وصفتها الرفيقة فينوس العربيد، والتي تقول عنها أنها تشكلُّ منعطفاً أساسياً للمرحلة القادمة وهي الانتخابات الجديدة، وقد لاحظنا جميعاً الجدِّية والشَّفافيِّة في رؤيا الأمين العام من خلال المؤتمر الأخير، والذي انبثقت عنه إجراءات الانتخابات، لذا فإن هذه المرحلة تتطلب من البعثيين أن يتمتعوا بذات الجدِّية والشفافية ابتداءً من الترشح لنصل إلى مرحلة الانتخابات التي يفترض أن يبتعد فيها البعثي عن الانفعال، والابتعاد عن العاطفة والتكتلات والالتزام بمعايير الأكفأ والأجدر بالمكان، خصوصاً في ظلِّ حساسية الفترة القادمة وأهميتها في مسيرة الحزب، فإما الأكفأ و التطور أو المضي في حلقة مفرغة محورها الكلام ومحيطها الأحلام، وما يدور فيها هو الفراغ إضافة لزجِّ الشباب بشكلٍ فاعلٍ وحيويٍّ، وهذا ما يؤكد عليه دائماً الرفيق الأمين العام للحزب. كما أن دور الإعلام هو دورٌ محوريٌّ في هذه الفترة لرسم معالم الصورة الحقيقية والواضحة للانتخابات ودورها وأطوارها، والمسؤوليات المترتبة عليها والمنبثقة عنها لنصل إلى الخطوة الأكثر أهمية من وجهة نظري وهي إلزام كل مرشحٍ ببيانٍ انتخابيٍّ يبين فيه خطَّة عملهِ في الفترة القادمة في حال نجاحه، ويحاسب النَّاخب في نهاية مهمته عمَّا لم ينجزه، فهذه الخطوة تساهم في التحفيز على العمل، والمنافسة لوضع خطط انتخابية خلَّاقة، وتحقيق أفضل النتائج على الأرض تعود إيجاباً على الواقع الحزبيِّ بمجمله، وتضع كلَّ بعثيٍّ أمام مسؤولياته وواجباته. وإن الانتخابات هي حالة صحية ومتميزة يتوجب البناء منها، وليس عليها، والإفادة منها لكامل الحزب والدولة قبل النَّظر للفائدة الشخصية منها.
الرفيقة لما أبو سعد ذهبت باتجاه مقترح تم العمل عليه سابقاً، وهو اعتماد رائز جداً مهم منطلقين من أن الحزب سمة، وليس مسؤولية يتقلدها البعض وصولاً إلى مآرب بعيدة عن فكر الحزب ومبادئه. هذا الرائز هو القاعدة الاجتماعية التي تحكم مجتمعنا المحلي، ولما لها من دور كبير لتعزيز عامل الجذب وإعادة الثقة للجماهير وليس النفور والابتعاد.
إنجازات لا سنوات
و لاشك أن الانتخابات القادمة تضع حجر الأساس لعملية التغيير المنشودة، والأهم أنها تؤسس لشكل جديد لأي استحقاقات دستورية قادمة أساسها اختيار الأكفأ بعيداً عن الأشكال التقليدية للاختيار كالعائلية والمناطقية والشللية والمحسوبيات، وأن تكون للغرفة السرية دورها الأساسي في تفعيل الرقابة الذاتية للناخب.
وهنا يقول الرفيق المحامي باسم حاطوم أنه لا يمكن أن نغير في تركيبة الحزب إذا لم نغير بعقلية الناخب من حيث الفكر واختيار الأفضل، وبالتالي جلب القادة الذين سيقع على عاتقهم تصحيح المسار.
أما الرفيقة المهندسة مرح عزام، وهي طالبة ماجستير في كلية الزراعة وتقول عن نفسها حديثة العهد في العمل الحزبي، تؤكد ضرورة الاستفادة من طاقات الشباب وحماسهم وعدم تحجيم دورهم النضالي أو إلغائه بذريعه قلة الخبرة، فالتجربة أفضل أسلوب للتعلم وعدم قياس ذلك بالسنوات، بل بالانجازات التي قدمها الرفيق خلال سنوات مهمته. كذلك الانطلاق من قاعدة بأن الحزبية مسؤولية وليست امتياز، أي أن الرفيق الذي يرغب بتولي مسؤولية حزبيه عليه أن تتوفر فيه روح التضحية ونكران الذات والغيرية، وليس جمع المكاسب والامتيازات الرخيصة على حساب الحزب الذي يجب حمايته من الأمراض التي تصيب جميع الأحزاب الثورية في العالم مثل الانتهازية والوصولية والاستتار تحت الشعارات الحزبية لتمرير مصالح شخصيه ضيقه، بالإضافة إلى الإيمان المطلق بمبدأ الديمقراطية المركزية، أي اللجوء إلى التعيين بحكم الموقع الوظيفي والعلمي، إذ يجب ترك المجال للقيادة المركزية بتعيين عدد من الرفاق في مواقع قياديه بناءً على خبراتهم وتجاربهم ومعارفهم والاستفادة القصوى من الطاقات والإمكانيات الإبداعية، فليس من المعقول أن يشغل فروع الجامعات والشعب الحزبية، على سبيل المثال، رفاق ليسوا على سويه علمية، ويجب أن يكونوا من طلاب الدراسات العليا والمتفوقين دراسياً.
موضوعية ومسؤولية
ويبقي لحديث الانتخابات الكثير من شجونه وتشابكاته وتشعباته أيضاً، إلا أن القاسم المشترك بين أراء البعثيين هو ضرورة نجاح هذه التجربة كونها تشكل مفصلاً هاماً يقودنا إلى التغير الثوري الذي تتطلع إليه القواعد الحزبية، وهذا يتطلب منا أعلى درجات الموضوعية والإحساس بالمسؤولية، والابتعاد عن المحسوبيات العشائرية والطائفيه والقبليه، كذلك الابتعاد عن الشلليه والتحالفات الانتخابية التي تضيع أصوات الناخبين، وتحول دون وصول رفاق من ذوي الكفاءات العلمية والقيادية والإدارية لاسيما أن الحزب يمتلك كوادر طليعية من الخبرات التي يجب زجها في ميدان العمل النضالي لتحقيق التغيير المنشود.