انتصار حلب الشهباء شعاع الشهداء
غالية خوجة
ستظل قلعة حلب معلماً أثرياً عتيقاً تصهل من حجارته أحصنة سيف الدولة الحمداني، وكلمات الشاعر أحمد أبو الطيب المتنبي، كما تصهل رماح الحامية المدافعة عن شموخها وأبوابها وزخارفها وقاعاتها، وهذا ما أعادت صهيله الدماء الطاهرة التي دافعت عنها في الحرب الإرهابية العشرية على سوريتنا الحبيبة.
عرف العالم حلب بواقعها الحالي المصاب بتدمير مقصود منهجي وهادف لتحطيم هذه الذاكرة المدنية الحضارية التي كانت وستبقى أحد المحطات المهمة على طريق الحرير القديم والحديث، وللرائي لهذا المشهد المعاصر أن يصرخ من أعماقه، كما صرخت لوحة ادفارت مونك، ويبكي مثل لوحة الموناليزا التي رسمها دافنشي، تاركاً لدموع الصمت أن ترسم أعماقها، وتتحول إلى فعاليات ثقافية وفنية تجوب حلب الشهباء بشكل موسمي يحتفي بهذه الذكرى التي مرّت عليها 7 سنوات، لتعبّر عن هذا الانتصار التاريخي الذي قال عنه سيادة الرئيس الدكتور بشار حافظ الأسد: “ما قبل تحرير مدينة حلب لن يكون كما بعدها”، منطلقاً من يقينه “بأن وطنية أهل حلب ووفاءهم لوطنهم ولجيش الوطن ستقلب حسابات الأعداء”.
وتأكيداً لهذا الانتصار، وتقديساً لدماء شهداء سورية، جاء الشعاع البنّاء للأعماق “الأمل بالعمل”، لأن الأمل لا يتحقق من دون عمل، ولا بد من عمل مضاعف في هذا الزمان لنصوغ هذا الزمان، ونساعد الإنسان الصامد على إعادة بناء أعماقه بتفاؤل متناسب مع العمل، خصوصاً، وأن أغلب أهل حلب، وبجميع فئاتهم، وبمختلف اختصاصاتهم العلمية والفنية والأدبية والتعليمية استمرت رغماً عن قذائف الإرهاب، واستمرت عجلة الحياة بالدوران كما نواعير حماة، ومياه نهر بردى، وأمطار نهر العاصي وقويق.
ولمزيد من الاستمرارية الشامخة لهذه الحياة، وبكل ظروفها الواقعية، وبكل الصبر الذي يدافع به المواطن، نتمنى المزيد من الاهتمام بالناس وصمودهم من أجل كفافهم اليومي، سواء من الجهات أم الناس التي تستطيع، كما نتمنى من الجهات والمواطنين المزيد من الاهتمام بالشوارع ونظافتها ومنها حول القلعة والمدينة القديمة والأحياء الشعبية والأحياء السكنية كلها، لأن الماء الملوث بالطين ومخلفات “المولدات” والأوساخ والحفر والمستنقعات تصبح عوامل مضادة للصحة والبيئة والمظهر الحضاري الذي هو من صلب مدينتنا حلب العريقة.
وهذا ينسحب على المشاهد الطفيلية الأخرى لفئة “النباشين” كظاهرة جديدة أصبحت دائمة، وما تنبشه وترميه من الحاويات على الأرصفة والشوارع، بالإضافة إلى مشاهد غريبة عجيبة أخرى مثل كثرة المتسولين، واستثمار أصحاب العاقات وذوي الهمم بدل رعايتهم في بيوتهم على الأقل، وإشغال الأماكن العامة ببسطات أصحاب المحلات، عدا عن ضجيج مولداتهم الصغيرة، وإشغال بعض الأرصفة بالسيارات هرباً من دفع أجرة الوقوف، واختصار بعض سائقي “السرافيس” لخطوطهم، وغيرها من المظاهر السلبية الأخرى.
ومن منظور آخر، ما تزال آثار الأخلاق والشهامة باقية، فهذا سائق أجرة يوصل بعض المحتاجين مجاناً، وهذا الجار يساعد جاره، وهذه العابرة تهمّ بمساعدة عجوز على عبور الشارع، أو تساعدها على الصعود إلى سيارة الأجرة بعدما تدفع للسائق، بينما تحسب بعض البقالات والمطاعم والوجبات السريعة حساباً للمحتاجين الذين تعرفهم، فتسألهم أية “سندويشة” يفضلون، وتقدمها إليهم، والبعض الآخر، وعلى الرغم من احتياجه، تجده معطاء، والبعض ينظّف الشارع، ما يُشعرنا وبكل ثقة بأن الخير الذي باركه الله باقٍ على هذه الأرض ما بقيت الأزمنة.