“تحريك الثابت”
معن الغادري
على مبدأ “أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً”، يمكن القول إن زيارة الوفد الوزاري، نهاية الأسبوع الماضي إلى حلب، حملت الخير، وربما الفرج، على المديين القريب والبعيد، إذا ما أخذنا هذه المرة ما تمّ مناقشته وتداوله، وبسقف مفتوح، حول الكثير من القضايا العالقة والشائكة، وبكل جدية، من قبل الفريق الحكومي المطالب بأن يفي بوعوده، ويحدث فارقاً حقيقياً في الحالة الاقتصادية غير المنضبطة أصلاً، والتي أكثر ما تعانيه هو كثرة التجارب الفاشلة، والتي بلغت في الآونة الأخيرة ذروتها مع غياب أي رؤية أو منهجية، وإصرار البعض على اتباع سياسات ترقيعية، وترك الأمور على عواهنها، ما فاقم المشكلات والأزمات، وترك مساحة أوسع لنشوء مجموعات نافذة في المشهد الاقتصادي “أكلت البيضة وقشرتها”، كما يقال.
ومع أهمية ما تحدّث به وزراء الاقتصاد والتجارة الخارجية والمالية والصناعة مع النخب الصناعية والتجارية بحلب، في عملية تحريك الثابت وإحداث تغيير حقيقي على مستوى القرار الاقتصادي، نجد أن مشروع العمل التشاركي بين العام والخاص لم يصل إلى مرحلة النضوج الكافي، وهو ما عكسته جرأة وشفافية المداخلات والنقاشات. وبالتالي، فالأمر يتطلّب الكثير من الصدقية والموثوقية من طرفي المعادلة، وألا تبقى المقترحات والتوصيات والقرارات المتخذة حبراً على الورق، وتدوّر من عام إلى عام، ومن اجتماع إلى اجتماع، كما درجت عليه العادة.
ومن هنا، نجد لزاماً على الجميع -مع انطلاقة العام الجديد- إجراء مراجعة لكلّ الملفات الملحّة، وخاصة ما يتعلق بالقطاع الصناعي والمؤسسات والشركات الإنتاجية للقطاعين العام والخاص على السواء، وتبديد المخاوف والهواجس التي تقلق الصناعيين، واتخاذ كل ما يلزم لحماية المنتج الوطني كطوق نجاة مستدام لكسر القيود المفروضة على اقتصادنا الوطني وتحريره من الظروف الصعبة والاستثنائية الناجمة عن الحصار الجائر المفروض على الشعب السوري من قوى العدوان والشر في العالم.
وكي تكون الخطوات والإجراءات ناجعة وبعيدة عن سياسة الترقيع وحرق المراحل، لا بدّ من تحديث القوانين وسنّ تشريعات جديدة تتواءم مع المرحلة الراهنة والمستقبلية، وتسهم في بناء شراكة حقيقية وناجزة بين العام والخاص، والأهم أن تكون هناك سياسة حازمة وصارمة لمحاربة كلّ أشكال الفساد -وما أكثره في حلب على وجه التحديد- تسير بشكل متوازٍ ومتساوٍ مع تصحيح المسار الاقتصادي، والسعي جدياً لخلق ظروف ملائمة للتكيّف مع المتغيرات والمتبدلات بأقل التكاليف والخسارات، وبما يراعي الظروف المعيشية للمواطن المنكوب والخاسر الأكبر من إطالة أمد الأزمات.