ثقافةصحيفة البعث

بالعربي الفصيح.. بين مهرجانين!!

نجوى صليبه

بالعربي الفصيح

تعيد قناة “سورية دراما” التّلفزيونية ـ كما عودتناـ عرض مسلسلات قديمة من زمن الأبيض والأسود، وآخرها المسلسل الذي يعرض حالياً “وداعاً زمن الصمت” 1986، وهو مسلسل اجتماعي من تمثيل الرّاحل هاني الرّوماني “بهاء”، ورشيد عسّاف، وفاديا خطّاب، ونادين خوري، وعبّاس النّوري “هاني” الشّاب الخجول الذي يدخل في صراع مع والده الثّري “بهاء” الذي يحاول إجبار ابنه على العيش بالطّريقة التي يريدها، لكنّ “هاني” يتمرّد على أفكار والده ومن ثمّ يتوفّى، ويحمّل “بهاء” سبب وفاة ابنه على صديق عمره الذي رفض تزويج ابنته لابنه، وهنا يبدأ “بهاء” بالانتقام من صديقه وتوريطه بأمور ومخالفات مالية بالتّعاون مع محاسب الشّركة، كما يتناول العمل صراع الطّبقات الاجتماعية والمصالح الشّخصية التي تفرض سيطرتها ولو فترةً من الزّمن، ولسنا هنا بصدد الحديث عن القصّة بقدر اهتمامنا بأنّ العمل كان باللغة العربية الفصيحة، مثله مثل أعمال كثيرة أنتجها التّلفزيون العربي السّوري آنذاك وعرضها بالعربية الفصيحة، ولا نتحدّث هنا عن الأعمال التّاريخية فحسب ـ بل الاجتماعية أيضاًـ، وذلك بالتّوازي مع أعمال اجتماعية باللغة المحكية.

سؤالنا هنا: ماذا لو تعاون المعنيون في كلّ المؤسسات والوزارات المتخصصة بالدّراما واللغة، ووضعوا خطّة عمل سنوية لإنتاج عدد من المسلسلات والبرامج باللغة العربية الفصيحة، عوضاً عن أعمال كثيرة لا فائدة منها، ونقول هذا لأنّها من دون شكل أو مضمون، ولاسيّما تلك التي سحبت أو توقّفت بعد عرض حلقتين أو ثلاث، وتلك التي لم تعد تعترف لا بخطّ أحمر ولا بخط أخلاقي أو مهني.

وتكمن خطورة هذه الأعمال في تأثّر الأطفال والشّباب بها وتقليد الممثلين بأسلوب حركتهم ولباسهم وكلماتهم ومصطلحاتهم، مع العلم أنّنا كنّا من القائلين بضرورة أن يحدّد الأهل لأبنائهم البرامج المسموح بمشاهدتها، لكن أما وقد انفلتت الأمور في ظلّ هذه الفضاءات الزّرقاء والخضراء والحمراء، فلا بدّ من أن يكون هناك دور مؤسساتي لحماية المجتمع وأجياله.. لذا دعونا نستثمر ميزة الشّاشة الصّغيرة والمنصّات بما يخدم أهدافنا في بناء جيل متمكّن من لغته، وقادر على التّعبير بها في أيّ وقت وأيّ ظرف، عوضاً عن وقوفنا مكتوفي الأيدي إلّا من جلد أنفسنا وجلدهم، قد يبدو الاقتراح صعباً، وهذا صحيح، لكنّ ليس مستحيلاً ولا يحتاج إلّا لخطة محكمة وبال صبور على الوقت الذي يتطلبه تنفيذ الخطة.

الدّراما والحيوان

في عام 1998 وفي مرحلة من مراحل تطوّر شخصيته في مسلسل “عودة غوّار”، قدّم الفنّان دريد لحّام مشاهد عدّة يرافقه حمار لنقل الأغراض والأشياء التي يبيعها، وكان في كلّ مشهد يحدّثه ويبثّه شجونه وأفراحه، وكثيراً ما عبّر في هذه المشاهد عن أنّ الحيوان ألطف وأفضل من كثير من البشر.

ومنذ أيّام قليلة شاهدت القليل من مسلسل “الغربال” 2014، وفيه يذبح اللحام الحمير ويبيعها على أنّها لحم أبقار وخواريف بحجة رغبته في أن يتعلّم الإنسان الألفة والطّيبة من الحمار!!.

لسنا من كارهي الحيوانات، بل على العكس ندعو دائماً إلى الرّفق بها وعدم أذيتها، لكن ليس على حساب البشر، كالحاصل تماماً في بلاد أجنبية، إذ أصبح بعض البشر يتشبّه بالكلاب ويسير مثلها وهو مربوط بحبل آخره يد إنسان مثله، مشهد ليس بالجديد، كما أنّه ليس بالقديم، لكن الشّيء بالشّيء يذكر.. والأسئلة كثير هنا لكن سنكتفي بواحد فقط: أإلى هنا وصلت البشرية؟!.

بين مهرجانين

تقريباً، تزامن اختتام فعاليات مهرجان المسرح العربي ـ الدّورة الرّابعة عشرة ـ في العاصمة العراقية بغداد، مع اختتام فعاليات مهرجان “جوي اووردز” ـ الدّورة الرّابعة ـ في العاصمة السّعودية الرّياض، وكما العادة فإنّ جمهور الدّراما والأغنيات والممثلين والممثلات هو الأكبر، كذلك الأمر بالنّسبة للإعلام والتّغطيات، فقد حظي مهرجان الفنّ بشعبية لا مثيل لها على مختلف وسائل التّواصل الاجتماعي، وتفاعل معه روّادها تفاعلاً باهراً، كالـ”بهورة” والبهرجة التي طغت على تفاصيل المهرجان كلّها، من مكان وأزياء صمّمها كبار مصمّمي الأزياء عربياً وعالمياً، طبعاً من دون أن ننكر وجود بعض الأصوات الحقيقية والموضوعية التي استهجنت كمّ الجوائز وعدم موضوعيتها، في حين لم نقرأ خبراً أو نشاهد صورة من مهرجان المسرح العربي، إلّا تلك التي نشرت على الحساب الرّسمي للمهرجان على الـ”فيسبوك”، وتلك التي نشرها ضيوفه على صفحاتهم.. لن أختم وأقول: أتمنى وأخشى وليت ولعلّ، لكن سأعود وأدقّ ناقوس الخطر كما دقّه كثيرون في السّابق، فما يحصل خطر جدّاً ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى العربي أيضاً.