جنوب إفريقيا أنموذج راقٍ للسمو الأخلاقي
تقرير إخباري
أثارت جمهورية جنوب إفريقيا عبر جرّها للكيان الصهيوني للمثول أمام محكمة العدل الدولية جملة من المعادلات والتساؤلات الجديدة في هذا العالم الآخذ بالتغير بقوة.
وتكتسب هذه المحاكمة أهميتها من أن الداعي لها ليس بلداً شريكاً لفلسطين المحتلة في العروبة، أو في وجود مصالح من أي نوع، فقوة المطالبة أتت من الأخلاق والإنسانية كسبب صافٍ، وترتبت على خطوات من قبل جنوب إفريقيا سبقت الدعوة للمحاكمة، سواءً في هذا المضمار مثل إعلان مقاطعتها للكيان، أو الإدانات السابقة للأعمال الوحشية الإسرائيلية المتكرّرة.
أما في مضمار آخر فهذه الخطوة تترتب على خطوات لهذا البلد الذي أصبح الأنموذج الأبرز في القرن العشرين للدولة المبنية على احترام الأخلاق والإنسانية، عبر عدة أحداث جعلت منه كذلك، فزعيمها الراحل نيلسون مانديلا ناضل أشد النضال وقضى شبابه في السجن لإسقاط نظام الفصل العنصري، كما سارت بلاده بعد تحررها من نظام الفصل في بداية التسعينييات على نهج تحقيق العدالة والمساواة بين البشر بغض النظر عن العرق واللون لتصبح رمزاً لمعاداة كل عنصرية واحتلال في أي مكان بالعالم. ولو عدنا للتاريخ فإن شعب جنوب إفريقيا لن ينسى أن تيودور هيرتزل مؤسس المنظمة الصهيونية العالمية في القرن التاسع عشر كان صديقاً مقرباً لـ”سماتس” مؤسس “جنوب إفريقيا العنصرية”، وأفكارهما المشتركة في الاستعلاء والفصل العنصري بين البشر عبر مقومات مشتركة ليس آخرها جدار الفصل العنصري وغيرها من الممارسات الاستعمارية والاستيطانية التي يفوقها كل تصوّر، وجنوب إفريقيا لن تتراجع عمّا شكلته من أنموذج راقٍ للسمو الأخلاقي والريادة الأخلاقية في السياسة الدولية.
ولنكن منصفين فإن دولاً كثيرة يمكنها القيام بخطوة جنوب إفريقيا، لكن للأسف الموانع كثيرة؛ فهناك دول اتهمت بخرق حقوق الإنسان أو الإبادة الجماعية أو فرضت عليها العقوبات وأرسلت الجيوش إلى برها وبحرها، ناهيك عن المعايير المزدوجة والتسييس لكل القضايا العالمية، وليس آخرها إدانة روسيا في ممارسة حقها بالدفاع عن وحدة وسلامة أراضيها ضدّ النازية في أوكرانيا، ومع ذلك سارعت كل تلك الدول لتأييد خطوة جنوب إفريقيا أشدّ التأييد.
إن “إسرائيل” منذ عام 1948 وحتى الآن هي كيان فوق القانون، ولا يحترم قرارات الشرعية الدولية ويخرق كل الهدن، وأكثر كيان تعرّض سلوكه للشجب على مر التاريخ، لكنها اليوم تعاني موقفاً مغايراً لكل تاريخها؛ فهي اعتادت تبرير إجرامها الوحشي لدول الغرب ومعظم الدول الكبرى عبر ترويج سرديتها الخاصة الكاذبة لجهة أنها تعرضت لـ”محارق وجرائم إبادة”، بل حرصت على التسول وابتزاز الدول عبر تلك التلفيقات، إلا أن ذلك كله انتهى عبر حدثين تاريخيين، الأول هو ما حدث بتاريخ السابع من تشرين الماضي، والثاني هو تاريخ 12-13 كانون الثاني الجاري، وأصبح من كان يدعي بأنه ضحية لجرائم الإبادة والعنصرية يُدان بالجرائم ذاتها وأمام البشرية جمعاء. وسواءً صدر قرار إدانة بحق “إسرائيل”، أم لا، فلا يمكن لعاقل أن ينفي أن هذا الكيان تعرّض بمثوله في لاهاي لخسارة لا يمكنه تعويضها.
بشار محي الدين المحمد