يسار الوسط الأوروبي وفلسطين
د. مهدي دخل الله
لاشك في أن هناك فرقاً بين موقف أحد رموز يسار الوسط الأوروبي، المستشار الألماني الحالي أولف شولتز، وزعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي المستشارة السابقة ممثلة يمين الوسط انجلينا ميركل. الأول، اليساري، أكثر تطرفاً ضد روسيا وضد فلسطين من الثانية، اليمينية، فما الذي جرى ؟؟ …
كنا دائماً نسمع ونقرأ أن يسار الوسط في أوروبا، أي الحركة الاشتراكية الديمقراطية، أقرب إلى العدالة العالمية من يمين الوسط واليمين المتطرف. وقد كنت عضواً في وفد حزب البعث الذي شارك في اجتماع هذه الحركة اليسارية ومنظمتها ( الدولية الاشتراكية ) في ستراسبورغ عام /1991/ . وكان في الاجتماع ممثلون عن أكثر من مائة حزب منها حزب العمال البريطاني، والحزب الاشتراكي الفرنسي، والاشتراكي الديمقراطي الألماني الذي يقوده الآن شولتز …
ولاشك في أن يسار الوسط قدم انجازات مهمة في المجتمعات الأوروبية على مستوى إعادة توزيع الدخل لصالح غالبية الشعب فيما يسمى السوق الاجتماعي ( ألمانيا وفرنسا والسويد بشكل خاص) . لكن العقود الثلاثة الأخيرة، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أظهرت تحولاً خطيراً في السياسة الدولية لهذه الحركة .
نشأت حركة يسار الوسط الأوروبية عن صراع دار في اجتماعات « الأممية الثانية » في العقد الأخير من القرن التاسع عشر. انشق عندها الاشتراكيون المعتدلون – أي يسار الوسط – عن التيار الماركسي المتشدد. وبعد الحرب العالمية الثانية، استطاع هذا اليسار أن يحكم غالبية الدول الأوروبية عدة مرات، بما في ذلك بريطانيا عبر حزب العمال .
في العقود الأربعة الأخيرة، منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، لم تستطع هذه الأحزاب التأقلم مع الواقع الأوروبي الجديد، حيث لم تعد الإيديولوجيا العامل المحدد للواقع. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ظهر صراع جديد على المستوى العالمي ليس للإيديولوجيا أي علاقة به. إنه صراع حول المصالح الوطنية والارتباطات السياسية.
من جديد، ظهرت المسألة القومية في أوروبا بقوة بعد انهيار مملكة الإيديولوجيا. أصبح الفرنسي والألماني والإيطالي أكثر شعوراً بمصالحه الوطنية، وأكثر تذمراً من سيطرة حلف الناتو. لذلك بدأ بريق يمين الوسط يسطع بقوة لأنه أقرب إلى الشعور القومي من الاشتراكيين .
بالمقابل، اشترت الشركات متعددة الجنسيات فرسان الحركة الاشتراكية الديمقراطية ( يسار الوسط )، فأصبحوا أكثر التزاماً بخطط الاستعمار الجديد وعدوانيته في أوراسيا، وأكثر دعماً للصهاينة في فلسطين .
وتؤكد تجربتنا في حزب البعث أن تواصلنا مع أحزاب يمين الوسط أكثر سهولة من التواصل مع أحزاب يسار الوسط ، ذلك لأن هذا اليسار أضحى مرتبطاً بمتعددة الجنسيات، ما أضعفه كثيراً في مجتمعاته وعلى الساحة العالمية .
mahdidakhlala@gmail.com