خطوة بخطوة…؟!
بشير فرزان
تنبئ المؤشرات والتسريبات المتعلّقة برغيف الخبز بارتفاع وشيك في أسعاره بداية الشهر القادم، وهذا يعني المزيد من الأعباء والضغوط على جيوب المواطن المهترئة، وتجاوزاً جديداً للخطوط الحمراء التي باتت، بدورها، غير موجودة، وهذا ما يعطي الحق لتوجيه السؤال التالي: متى تتحلّى الحكومة بالجرأة لتفنيد واقعها الغارق بالتحديات والضغوطات وتقديمه، كما هو، بأرقامه الحقيقية القريبة لحياة الناس، في لقاءاتها واجتماعاتها المتعدّدة، بدلاً من الاستمرار في متاهة الدعم الرقمية والمعالجات والحلول التي بقيت معلّقة على مشجب الحرب والحصار. كما ترسم الشفافية الوزارية مستقبلاً متخماً بالتغيّرات الجذرية في المرحلة القادمة، تحت عنوان تطبيق معادلة معيشية واقتصادية من شأنها التقليل من الفوارق في قيم الدعم المقدّم للعديد من السلع والامتثال لسياسات الأمر الواقع، وإسقاط تطبيق “إلي ببلاش كثر منه”، الذي يصول ويجول داخل الحياة العامة، وكان له الكثير من التداعيات على بنية الاقتصاد الوطني من جهة، وعلى الثقافة الاستهلاكية التبذيرية التي تستهلك وتهدر الثروات الوطنية دون حسيب أو رقيب، ولكن ما يعكّر هذه السفسطائية الحكومية أنها تستهدف المواطن البسيط الذي لا يملك قوت يومه، بينما يفلت من قبضتها أصحاب الملاءة المالية من المسؤولين والمكتنزين الجدد الذين يربحون دائماً!
وبالعودة إلى الخبز، فقد تكون الأجواء المتوترة التي تسود الشارع السوري بعد شائعة المساس بالخطوط الحمراء، وفي مقدمتها الخبز، مبرّرة بعد تأكيدات متواصلة ومتتالية من أصحاب القرار بعد المساس بها، وربما تكون المخاوف التي تتحرك بسرعة اليوم حول ارتفاع أسعار مرتقب في جميع الأسواق والمواد ضمن دائرة الشرعية، وخاصة مع تخبّط وفوضى في التصريحات الوزارية التي باتت مؤشراً على المتغيّرات المعيشية القادمة، فعلى لسان الوزراء تتسرّب الحقائق المختلفة التي تصنّف دائماً تحت بند الخطأ التكتيكي الذي يغالط الواقع، ويناقض ما يدرس ويدور في المكاتب المسؤولة وأروقة القاعات التي تنبض عجزاً عن وقف عجلة المتغيرات التي تنتهي دائماً بصدمة من العيار الكبير، وبشكل يحوّل نتائج الاجتماعات من خانة القرارات العلاجية إلى تسيير الأعمال ومهر المستجدات بختم الواقع الفعلي.
وهنا نستذكر عبارة “لا تحرير للأسعار ولا تحرير للرواتب” التي تردّد صداها أكثر من مرة في قاعة مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال من قبل أكثر من رئيس حكومة، والتي شحنت كلّ من سمعها بالأمل الذي يحاكم الآن على أرض الواقع من خلال البحث عن واقعيتها المغيّبة بسبب ارتجالية في غير محلها، وتسرّع غير مسبوق في إطلاق الوعود الخلبية التي تنعكس سلباً على الأداء الحكومي وعلى الثقة المطلوبة بينه وبين الشارع بمختلف فئاته.
وطبعاً لن نتسرّع في إطلاق الأحكام كونها لن تفيد بشيء في هذه الظروف، ولا بدّ من إيجاد حلول إسعافية، وفي مقدمتها التحلّي بالصبر واستثمار كلّ الموارد المتاحة وتكثيف المبادرات الأهلية، فعلى الجميع المشاركة في مشروع إنقاذ الاقتصاد الوطني، وهناك الكثير من الأفكار، في مقدمتها دعم المشاريع الصغيرة التي لا بدّ من دعمها من رجال الأعمال، لما لها من دور في تأمين موارد مالية معاشية للناس، وردم الفجوة بين الدخل والإنفاق الأسري الذي تجاوز الـملايين شهرياً كاحتياجات للأسرة السورية، ولا يمكن أيضاً تجاهل دور الحكومة في تقليص الفارق عبر سياسة تحرير الرواتب، كما تفعل في الأسعار، وذلك وفق مسار “خطوة بخطوة” تحت مظلة رفع الدعم الحكومي على مراحل، ولو كان ذلك بشكل مبطن.
بالمحصلة.. المواطن يدرك ويستشعر التحديات وحساسية الظروف وقوة الحصار الظالم، ولكنه في الوقت ذاته يريد قدراً من الشفافية والوضوح، واتخاذ خطوات جادة نحو خلق التوازن الاقتصادي والمعيشي الذي يقلّل الهدر، ويحاسب على الفساد، ويضمن حقوق المواطنة التي تتحلّى في هذه الظروف العصيبة بالصبر.