“يومين” من حياتنا ومعاناتنا في الحرب.. تبعاتها الاجتماعية
ملده شويكاني
الشابة اليافعة “شام” التي كانت تجرّ الكرسي المتحرك لوالدها، وتعثرت بالحجر، في أحد مشاهد فيلم “يومين” الذي تمّ إطلاقه في العرض الخاص من دار الأوبرا بحضور رسمي وثقافي وإعلامي وجماهيري، لم يكن لها دور ضمن السياق الدرامي بمشهد واحد فقط يتكرّر في ذاكرة والد “صباح” و”نغم”، إنما دلّ بمعناه البعيد بالتورية على الشام التي تحتضن كلّ من يحتاج إليها، والتي تعثرت لكنها تتجاوز كل الأزمات، وتنهض من جديد.
هذا المشهد من فيلم” يومين” من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وتوقيع المخرج باسل الخطيب، وبطولة الفنان الكبير دريد لحام والراحل القدير أسامة الروماني، حمل إحدى الرسائل التي وجهها الفيلم والتي اكتملت بالمشهد الأخير بعودة اليافعة “نغم” والطفل “صباح” إلى والديهما برمزية بعيدة إلى العودة إلى الوطن مهما وجد الإنسان من مغريات وأمان.
بُني الفيلم الذي تمّ إهداؤه لروح القدير أسامة الروماني على فكرة الفنان دريد لحام، أما السيناريو فكتبه تليد الخطيب بروح دريد لحام الهادفة الناقدة التي شغف بها الجمهور السوري والعربي، بدا هذا واضحاً في أقوال البطل “أبو سلمى” دريد لحام، وفي المشاهد الرائعة لأهالي الضيعة باحتفالاتهم وتحضيراتهم لاستقبال المسؤول بالمزمار والطبل الكبير والأوف وحركات الدبكة بتألق القدير الراحل أسامة الروماني الذي جسد دور المختار، التي أعادت إلى الذاكرة مسرحيات دريد لحام.
العنف الأسري
وتمضي أحداثه وفق تصاعد حكاية بسيطة تتكرر فيها مفردة “يومين” وأظهر من خلالها دريد لحام العلاقة الحميمة بين الأب وابنته، ليتقاطع مع فيلم “دمشق- حلب” في زاوية ما.
تدور الأحداث التي تتكئ على خلفية الحرب الإرهابية التي عاشتها سورية وتتفرع نحو الأبعاد الاجتماعية لتطال الواقع المعاش وتعليم الأطفال والعنف الأسري وما ينجم عنه من مخاطر. ويفرد الخطيب مساحة لحركة الكاميرا التي تصوّر جمالية الطبيعة، ويركز على الراحل صباح فخري بدلالة الأصالة وعراقة تراثنا في مواضع، ولم تغب فيروز خاصة بمشهد استحضار دريد لحام أغنية “الغضب الساطع”.
مواقف مضحكة وهادفة
ففي قرية بسيطة ومن منزل حجري قديم تنطلق كاميرا الخطيب، من منزل والد “سلمى”، دريد لحام، الذي يضمّ قسماً صغيراً لورشة يقوم فيها بإصلاح الأدوات الكهربائية، ويوجد قسم آخر لمحل “سوبرماركت” تبيع فيه “سلمى” رنا شميص، ويعمل والد “سلمى” أيضاً ببيع الخضار التي يحملها من حقل “أبو رشيد”، يحيى بيازيد، في الشام مستخدماً شاحنته الصغيرة.
وتشاء الأقدار أن يلتقي “أبو سلمى” مع “نغم” و”صباح” الهاربين من ظلم والدهم الذي يضربهم بتأثير المشروبات الروحية ولعب القمار بعد أن خسر كل ما يملك جراء الحرب، فيحرمهم من النقود التي يحصل عليها من عمله بأعمال البناء، كما يأخذ نقود زوجته التي تعمل بخدمة البيوت لإطعام والديها.
ففي الحديقة يختبئان بشاحنة “أبو سلمى” ويبقيان في منزله وتؤلف “نغم” حكاية بطولة إنقاذ “أبو سلمى” لهما من عصابة الاتجار بالأعضاء.
الحرمان والتعويض
تنشأ الكثير من المواقف المضحكة التي تفتعلها “نغم” بمساعدة أخيها “صباح” ليبقيا في المنزل الذي وجدا فيه الحنان والأمان، ولاسيما بالمشاعر الدافئة التي أحاطتهما بها “سلمى” التي تزوّجت وانفصلت عن زوجها لأنها لم تنجب، فأحست بمشاعر الأمومة تجاههما.
الفيس بوك
الفاصل بالفيلم هو دور السوشل ميديا والفيس بوك في حياة الناس وتمرير الشائعات، وكان له الدور الإيجابي في العثور على نغم وصباح وتواصل الأب، حازم زيدان، مع والد “سلمى”.
تكريم الذات والثقة
الفاصل الآخر في خيبة أهالي الضيعة من قدوم المسؤول الذي عاملهم بجفاء، لكن في الوقت ذاته صرح بشفافية أنه لا يستطيع تأمين متطلباتهم التي تطال القطاع الصحي والمعيشي ولاسيما الكهرباء، ليصل الخطيب بلسان دريد لحام “أنا عملت شي، وأنا بكرم نفسي، لأني ربيت بنتي التي درست أولادكم بأمانة وإخلاص”.
المشروع السينمائي المتواصل
ووجّه الأستاذ مراد شاهين المدير العام للمؤسسة العامة للسينما قبل العرض في كلمته شكراً خاصاً للدكتور مهدي دخل الله عضو القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي الداعم للمشروع السينمائي وإنتاجات المؤسسة العامة للسينما، وللسيدة وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح لرعايتها المشروع السينمائي وإيصاله إلى برّ الأمان.
وأعرب عن سعادته بالاحتفاء بالفيلم السوري الجديد من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وبتوقيع المخرج باسل الخطيب وبطولة الفنان الكبير دريد لحام. وتوقف عند هذه الثنائية التي لطالما شكّلت في تاريخنا الحديث علامة فارقة في السينما السورية، وأبهرتنا بجديدها في كلّ فيلم لهذه الثنائية.
أفلام من مجتمعنا ومبادئنا
وعقّب على سؤال وجّه له ومن الصعب الإجابة عنه “أيّ فيلم من الأفلام التي أنتجت في المؤسسة الأحب إلى قلبك؟” بأنه لا يمكن اتخاذ القرار بإنتاج فيلم ما إلا وهناك نقطة ما أو طريق ما نرى من خلاله جزءاً منّا من مجتمعنا من كياننا، فكل هذه الأفلام عندما نجمعها مع بعضها البعض تعطينا صورة واضحة عن كل هذه المشاريع وعن كينونتها، فلا يمكن أن أرى نفسي في فيلم واحد من الأفلام التي أنتجت خلال وجودي في المؤسسة، لكن حقيقة أرى نفسي في كل الأفلام التي أنتجت في جزئية ما أحببتها، فكل الأفلام تمثل المبادئ والقيم التي نعمل عليها ونتبناها.
خسارة أسامة الروماني
كما شكر المخرج باسل الخطيب وزيرة الثقافة على دعمها الدائم ومواكبتها كل التجارب السينمائية، وشكر أيضاً المؤسسة العامة للسينما على الجهود التي بذلتها لإنجاح هذا الفيلم، وجميع الفنانين المشاركين، وتابع بأن الفرح مرتبط بالحزن وبألم الفقد بخسارة الفنان القدير أسامة الروماني. ومن ثم أشار بالعودة إلى الفرح المرتبط باسم الفنان الكبير دريد لحام، وتحدث عن تاريخه الناجح بالسينما، فأول فيلم قدمه كان في عام 1964 بعنوان “عقد اللؤلؤ” واليوم بعد ستين عاماً يقدم فيلمه “يومين” وهو الفيلم الخامس والثلاثون بمسيرته الفنية.
لحظة فرح
وبتفاعل كبير من الجمهور رحّب بالفنان الكبير دريد لحام الذي حيا الجمهور قائلاً: “السلام عليكم بسبب الأوضاع الصعبة التي تمرّ بها بلادي، أصبحت الحياة قاسية، ولا مكان فيها للفرح، ولكن في لحظات كهذه اللحظة، يصبح الفرح ممكناً، شكراً لوزيرة الثقافة على رعايتها الكريمة لهذه اللحظة، شكراً للمخرج باسل الخطيب على تجسيد هذه اللحظة في فيلم يومين، تحية لروح الراحل الرائع أسامة الروماني، روحه التي ملأت الزمان والوجدان”.
الثنائية بين لحام والخطيب
وبعد العرض أجاب المخرج باسل الخطيب عن أسئلة الإعلاميين التي دارت أغلبها حول الثنائية بينه وبين الفنان دريد لحام، في الفيلم الثالث لهما مشيداً بالطاقة الإيجابية التي يتحلّى بها الكبير دريد لحام، وبقدرته على التحريض على التفكير، وبأنه أوجد له مساحة أخرى وأخذه إلى عالم جديد للإبداع. كما أوضح أن الشكل الفني للفيلم يستمدّ من مضمونه، ونوّه بمساحة البطولة لليافعة شهد الزلق والطفل جاد دباغ، مؤكداً أن العمل معهما كان ممتعاً.
كما عقب على حضور الفيس بوك بالفيلم، مبيّناً أهمية التعامل بحذر مع السوشل ميديا. أما عن رسالته بالفيلم فهي ألا ينتظر الإنسان شيئاً من أحد، ينتظر من نفسه، ومما يقدمه في حياته.
مواهب صاعدة
اليافعة شهد الزلق تحدثت عن أهمية هذه التجربة بالنسبة إليها لكونها شاركت بالتمثيل بالسينما منذ عام 2018، وعن فهمها شخصية “نغم” وتجسيدها أمام الكاميرا، كذلك الطفل جاد دباغ الذي كانت له مشاركات سابقة، لكنه أول مرة يشارك بتجربة الفيلم الروائي الطويل، ونوّهت والدته الممثلة رامية زيتونة بأنه لا يصغي لملاحظاتها ويعمل وفق إحساسه بالشخصية.