ثقافةصحيفة البعث

موسيقا بجناحين وإحساس جيلين

حلب- غالية خوجة 

الطلاب العازفون المشكّلون لأوركسترا معهد صباح فخري يستعدون لحفلتهم في صالة نقابة الفنانين، يخرجون آلاتهم من حقائبها، ويتحركون بين المنصة والكراسي، والأهالي معهم فرحين، لأنهم على وشك إحياء أمسية موسيقية تقيمها وزارة الثقافة، مديرية التأهيل الفني ـ معهد صباح فخري بالتعاون مع نقابة الفنانين ومديرية الثقافة.

وقبل ساعتين من بداية الأمسية، حضرت “البعث” كواليس الفرقة، وسألت قائدها الأستاذ أنس سرّو عن ذاكرة أمسياتهم الموسيقية، فأجاب: بدأنا الحفلة الأولى عام 2017، وكانت مؤلفة من 13 عازفاً بمرافقة آلة البيانو، وطوّرنا في حفلتنا الثانية 2019 وأضفنا العزف الثنائي إلى جانب العزف الجماعي، وفي الحفلة الثالثة 2022 حاولنا رفع المستوى وقدمنا مقطوعات أصعب بتكنيك أكبر مثل كونشرتو ميماجور للموسيقار باخ، وفي حفلتنا الرابعة هذه، نقدم 10 مقطوعات كلاسيكية ومقطوعتين عربيتين، وستتحرك مشاهد العزف بين الجماعي، وسولو كمنجا، ومقطوعة تشيللو.

أمّا عن الصعوبة، فحدثنا: “ليس في تأمين النوتة والمكان والمواصلات، بل في محاولة تجميع هؤلاء الطلاب في الوقت المناسب بعيداً عن التزاماتهم الأخرى مثل الدراسة والامتحانات، والموازنة في طاقاتهم، خاصة وأنهم ينتمون لجيلين ابتداء من الصف الخامس وصولاً إلى خريجي الجامعة، وذلك من أجل تلافي التفاوت من ناحية صعوبة المقطوعات، لنختار المناسبة والملائمة للأعمار المتفاوتة وهي تعزف معاً”.

لكن، هل جربتم تأدية الموشحات والقدود الحلبية بطريقة الأوركسترا؟..

أجابني سرّو: “هذه المقطوعات بحاجة إلى توزيع جديد يتلاءم مع الآلات والفرقة، ومن الممكن المحاولة في هذا المجال في المستقبل”.

الموسيقا بحر بحاجة لخبرة

وعن مشاركتها أجابتنا الطالبة العازفة جوانا حسو، أول ثانوي: “أعزف مذ كنت في الصف الرابع، وأحسّ أن آلة الكمان جزء مني، وأحياناً، ولكونها آلة موسيقية صعبة، أراني أبتعد عنها قليلاً لكنني لا أستطيع، لكن أعود إليها لأعبّر عن مشاعري، لأن الموسيقا جزء من الحياة، والجميع يحب الموسيقا، الموسيقا بحر وكلما استعمقنا فيه احتجنا لمزيد من الخبرة، ولقد تدرّبت كثيراً لأصل إلى هذه المرحلة، وأجواء المعهد جميلة، وأميل إلى الأغاني الشرقية مثل فيروز وصباح فخري”.

أعزف بين القوس والقلم

بينما أخبرنا الطالب العازف علاء عداس، ثالث ثانوي: “منذ 10 سنوات، وأنا وآلة الكمان أصدقاء، وعزفت انفرادي مرات عدة، ولا بدّ من العزف اليومي لنتطور، والمشاركة في حفلات المعهد ووزارة الثقافة جميلة، لأنني أشعر بأنني عضو فعّال في الفرقة، ولاسيما أن الموسيقا لغة الناس الواحدة، وهوايتهم المشتركة، كما أنني أكتب الرواية، وأعمل على أول رواية بعنوان “وصلت”، وأبدأها من نهايتها، وسأمشي بهذا الريثم، الإنسان يحتاج إلى التفريغ إمّا بالقلم الذي تبدو أخطاؤه وجهة نظر، أو بالقوس والذي تبدو أخطاؤه مسموعة”.

وبسؤاله عن قراءاته واهتمامه بالنقد، أجاب: “أقرأ بعض الروايات، كروايات أحلام مستغانمي، ولا أفضل النقد الذي يشعرنا بأن النص الإبداعي أقل أهمية من النقد، خصوصاً، بعض النقد في مناهجنا التي لا تجعلنا نحب النقد”.

محاورة الذات كلاسيكياً

استمتع الحضور بأنامل العازفين والعازفات المشكّلة لفرقة أوركسترا معهد صباح فخري، وتناغمت ألحان القانون مع التشيللو والكونترباص والآلات الإيقاعية والبيانو، ونقلتنا إلى لحظات من الموسيقا الكلاسيكية الحالمة بالهدوء ومحاورة الذات والعالم، وكانت نغماتها الظليلة تحكي أحداثاً عدة لشخصيات تتحرك في ذاكرة كل مستمع، وها هي كارمن تطلع من رواية “بروسبر مريميه” لتتأبط كلمات “هنري مايلهاك” و”لودوفيك هاليفي”، وتتحرك مع حبها الغجري مع ألحان الموسيقار الفرنسي “جورج بيزيه” الذي ألّف هذه الأوبرا عام 1875، لكن بإحساس طلاب المعهد الذين حركوا رقصة النهر وخريرها مع فالس الدانوب الأزرق للموسيقار النمساوي يوهان شتراوس الثاني، ونعود مع الموسيقار عمر خيرت إلى عوالم شخصيات شرقية مزجت حواسها بآلات شرقية وغربية، تاركة أطيافها بجناحين من موسيقا.