هاجس “اليوم التالي”
طلال ياسر الزعبي
لن تستطيع الاستخبارات العسكرية الصهيونية الاستمرار في التعتيم على حجم الخسائر التي تُمنى بها قواتها في غزة، فالجيش الصهيوني الذي أفرج بالأمس عن أسماء 10 جنود قُتلوا من أصل 22 تم الحديث عنهم في مبنى كان قد فخّخه تمهيداً لهدمه، يحاول الإيحاء، بعد أن افتُضح أمره، بأن حجم التعتيم لا يتجاوز هذه النسبة 10 /22، وذلك في محاولة للتعتيم على التعتيم ذاته الذي كان يمارسه مع جميع الأرقام السابقة التي كانت تتحدّث عن أعداد كبيرة من القتلى. فالرقم المعلن عنه بالفعل هو جزء بسيط من الحقيقة الكاملة التي تم فضحها في وسائل الإعلام، ولن يستطيع تكذيبها، ولكنه يستطيع تهذيب المعلومة بشيء من التوثيق كأن يذكر أسماء القتلى من الضبّاط والجنود بالتفصيل، وربّما كان التحقيق الذي فتحه في هذا الشأن دليلاً واضحاً حتى على كذب روايته الحالية.
ولكن لماذا كل هذا التعتيم، وما الذي يفرضه على حكومة مجرم الحرب الصهيوني بنيامين نتنياهو، وهل هو متعلّقٌ دائماً بما يسمّى الجبهة الداخلية؟
في حقيقة الأمر، يحاول نتنياهو منذ بداية الحرب القفز على جميع الأمور في سياق هروبه إلى الأمام، وبالتالي لم يسمح بتطوير الهدنة المعلنة سابقاً إلى وقف شامل لإطلاق النار، واضطرّ من أجل ذلك إلى الإعلان عن أهداف كبيرة للعملية مع أنه يعلم سلفاً أنها غير قابلة للتحقّق، ولكنه كان بحاجة إلى إطالة أمد هذه الحرب لتحقيق هذا الهروب من المصير الذي ينتظره.
وهناك قناعة تامة الآن لدى جميع الساسة والعسكريين الصهاينة أن أيّ هدف من الأهداف المعلنة للعدوان البري على غزة لم ولن يتحقّق، ولكن الجميع، وخاصة المرتبط منهم بقرار الحرب، صار مضطراً للاستمرار في هذه الحرب مع علمه المطلق بأنها خاسرة، وذلك خوفاً من مشهد اليوم التالي الذي استطرد الجميع في الحديث عنه وطرحه عبر وسائل الإعلام للإيحاء بأنه ذاهب نحو نصر أكيد، وبالتالي تخدير الشارع الصهيوني.
ومع خروج الفيديوهات المصوّرة التي يبثّها الإعلام الحربي للمقاومة بكل ما فيها من توصيف صادق للعمليات الحربية الجارية في غزة والخسائر الصهيونية الهائلة لجيش الاحتلال في الميدان، أصبحت الحكومة تتوجّس خيفة من أن يصبح هذا الإعلام هو الإعلام الوحيد الذي يتابعه الشارع الصهيوني، وهو الأمر الذي يمكن أن يُحدث في الأثناء زلزالاً عنيفاً في الداخل لا تستطيع الحكومة التكهّن بنتائجه، بعد أن أدرك الجميع أن الحكومة والجيش والاستخبارات يكذبون فيما يتعلّق بأعداد القتلى الحقيقيين في صفوف الجيش، ومن هنا لا بدّ أيضاً من نشر هذا العدد من أسماء القتلى المفرج عنه، وذلك لإعادة جزء من الثقة بين الشارع والحكومة.
وفي المحصّلة، ومن جانب خفيّ يستطيع المراقب لأداء الحكومة الصهيونية بشأن عدم الاكتراث بمصير الأسرى الصهاينة لدى المقاومة، أنه ما دامت الحكومة الصهيونية لا تكترث أساساً بعدد القتلى الحقيقيين في صفوف جيشها، وتمارس التعتيم على ذلك بغية الاستمرار في الهروب من مصيرها الذي ستلقاه، فمن باب أولى ألا تكترث أصلاً بمصير أسراها، لأن اليوم التالي هو الهاجس.