ورطة جديدة.. أرادت الضغط فدخلت إلى المستنقع؟!
طلال ياسر الزعبي
لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية جاءت بأساطيلها وبوارجها وسفنها الحربية إلى البحر الأبيض المتوسط، بعد عملية طوفان الأقصى المباركة مباشرة، ظنّاً منها، حسب زعمها، أن ذلك سيردع الأطراف الأخرى ويمنعها من تقديم العون لغزة أثناء العدوان الصهيوني عليها المستمر حتى الآن، وهي في الحقيقة تقدّم دعماً مباشراً للكيان الصهيوني في عدوانه على القطاع المحاصر.
وكذلك اعتقدت أن مثل هذا الأمر سيمنع توسّع رقعة الحرب في المنطقة لتشمل أطرافاً إقليمية، وبالتالي ضمان الاستفراد بقطاع غزة وتحقيق أهداف العدوان الصهيوني عليه، وهو فرضية ثبت فشلها حتى الآن بفعل دخول المقاومات في المنطقة على خط الدعم المباشر للمقاومة الفلسطينية وتنفيذها عمليات ضد الجيش الصهيوني والقوات الأمريكية المنتشرة في كل من سورية والعراق، وبالتالي وجدت الإدارة الأمريكية نفسها في ورطة جديدة في المنطقة بعد تورّطها في دعم النظام الأوكراني في حرب خاسرة مع روسيا.
وفي إطار هذا الواقع الجديد أرسلت الإدارة الأمريكية العديد من الرسائل إلى أطراف في المنطقة للتفاوض على تسوية شاملة، عبر وسطاء إقليميين، قوبلت بالرفض لأن المطلوب أولاً هو وقف العدوان على غزة وانسحاب الجيش الإسرائيلي من جميع الأراضي التي دخلها خلال العدوان، وهذا يمكن أن يعدّ هزيمة مدوّية للحكومة الصهيونية بزعامة الإرهابي بنيامين نتنياهو التي وضعت شروطاً كبيرة لوقف إطلاق النار لم تتمكّن من تحقيق أيّ منها، وبالتالي لجأت هي وربيبتها “إسرائيل” إلى أسلوب آخر هو أسلوب الاغتيالات الذي افترضت أنها تستطيع من خلاله الضغط على دول محور المقاومة للقبول بالتفاوض على هذه التسوية.
وعندما وجدت نفسها أمام شروط اشتباك جديدة ومعقدة مع أطراف المحور التي تصرّ على الاستمرار في دعم المقاومة الفلسطينية حتى النهاية ومنع سقوطها في غزة، اعتقدت أن باستطاعتها استغلال الهجمات اليمنية على السفن المتجهة إلى “إسرائيل” أو المملوكة لها، في الاستفراد باليمن عبر استغلال قرار من مجلس الأمن لا ينصّ صراحة على العدوان على اليمن، لإضافة عنصر ضغط آخر على المحور في هذا الاتجاه.
غير أن رياح هذا العدوان الذي شنّته كل من الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن جرت بما لا تشتهيه سفن البلدين التي وجدت نفسها هي الأخرى مضافة إلى السفن الصهيونية التي يُحظر عليها المرور عبر باب المندب، وبالتالي سيكون العدوان الأمريكي البريطاني سبباً مباشراً لعسكرة البحر الأحمر التي بدورها ستؤدّي إلى تهديد خط الملاحة عبر باب المندب أو إغلاقه نهائياً أمام الملاحة الدولية، لأن فعل العدوان سيؤدّي إلى ردّ فعل يمني، وخاصة أن اليمن تمرّس عبر ثماني سنوات من العدوان على القصف المستمر لمدنه وقراه، ولكنه تمكّن في النهاية من إجبار قوى العدوان على التراجع، بينما سيترتّب على كل يوم من العدوان الأمريكي على اليمن تبعات خطيرة على الملاحة الدولية المتجهة في معظمها إلى أوروبا، وبالتالي تشكيل ضغط هائل على الاقتصاد العالمي المترنّح أصلاً بفعل التورّط الغربي السابق في العقوبات على روسيا التي أضرّت كثيراً بسلاسل التوريد.
وربّما رأت واشنطن ولندن أن باستطاعتهما من خلال العدوان على اليمن والمساهمة الفعلية في تهديد خط الملاحة الدولي، الضغط على كل من روسيا والصين للتوسّط من خلالهما لدى اليمن لإيقاف الهجمات على السفن الصهيونية في البحرين الأحمر والعربي، غير أن مثل هذا التصرّف ربما جاء بمنزلة هديّة مجانية لكل من الدولتين اللتين رأتا في هذا العمل الغبي وسيلة من وسائل تخفيف الضغط عليهما في كل من أوكرانيا وبحر الصين، وشغل كل من واشنطن ولندن في أعالي البحار بدلاً من استفزازهما على حدودهما.
وفي جميع الأحوال، مجرّد أن تنشغل هاتان الدولتان في حرب لا طائل منها مع اليمن وانزلاقهما تدريجياً إلى المستنقع اليمني الذي تعلم لندن قبل غيرها مرارة الغوص فيه، سيؤدّي إلى تأمين هامش من الراحة لدول المحور في التعاطي مع القوات الأمريكية المنتشرة عشوائياً في المنطقة، وسيجعل هذه القوات رهينة أيّ مغامرة تقود إلى حرب شاملة في المنطقة، وعندها ستدرك الولايات المتحدة جيّداً أن خيار إلزام “إسرائيل” بوقف إطلاق النار والسماح للمساعدات بالدخول إلى قطاع غزة المحاصر الذي جعلته القوات المسلحة اليمنية شرطاً لوقف الهجمات على السفن الصهيونية، كان خياراً مناسباً رفضته الإدارة الأمريكية بدعوى استعادة بعض ماء الوجه في المنطقة الذي يبدو أنها ستفقده كاملاً مع استمرارها في الغوص في هذا المستنقع.