دراساتصحيفة البعث

محكمة العدل الدولية تدين الكيان الصهيوني

ريا خوري

ردّاً على الدعوى القضائية التي تقدّمت بها دولة جنوب إفريقيا لمحكمة العدل الدولية وتتهم فيها الكيان الصهيوني بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فقد أمرت محكمة العدل العليا ومقرّها لاهاي في هولندا الكيان الصهيوني باتخاذ إجراءات عملية لمنع الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والتحريض المباشر عليها، في الحكم الذي أصدرته المحكمة، حيث طلب الكيان رفض الدعوى التي أقامتها دولة جنوب إفريقيا. وصوّتت أغلبية القضاة من أعضاء لجنة المحكمة المؤلفة من سبعة عشر قاضياً لمصلحة اتخاذ الإجراءات العملية التي تلبّي معظم ما طلبته دولة جنوب إفريقيا باستثناء توجيه الأمر بوقف إطلاق النار على قطاع غزة. وصوَّت أربعة عشر قاضياً من أصل خمسة عشر قاضياً لمصلحة الحكم، باستثناء قاضٍ وحيد وهو قاضٍ إسرائيلي صوَّتَ ضدَّ الحكم. فبعد أن تلت القاضية الأمريكية (جوان إي دونغو) الحكم صار بإمكان دولة جنوب إفريقيا الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي حاملةً معها النص الأصلي الخطي للحكم، ومن المفترض أن يشكَّل ذلك قوة دعم لحماية الشعب العربي الفلسطيني من عمليات الإبادة الجماعية، من خلال أمر الكيان الصهيوني بالقوة بوقف الحرب وإطلاق النار إذا لم يلتزم بتطبيق إجراءات قانونية لمنع استمرار جريمة الإبادة الجماعية. وهذا انتصار حقيقي  لدولة جنوب إفريقيا والمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني. وعندها لا يحق للولايات المتحدة الأمريكية استخدام حق النقض (الفيتو) في التصويت لتشكيل قوات لوقف الحرب والإبادة الجماعية وإطلاق النار طبقاً للبند الثامن من الاتفاقية الخاصة بإجراءات وقف الإبادة. فإذا استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ستُعدّ شريكاً مع الكيان الصهيوني في الجريمة ويحق لدولة جنوب إفريقيا رفع دعوى ضدها في محكمة العدل الدولية للمشاركة في جريمة الإبادة الجماعية.

الجدير بالذكر أنَّ محكمة العدل الدولية تأسَّسَت بعد الحرب العالمية الثانية لمحاكمة النازية في ألمانيا لارتكابها جرائم إبادة.

وبموجب قواعد محكمة العدل الدولية، فإنّ الدولة التي تكون طرفاً في قضية وليس لديها قاضٍ من جنسيتها في هيئة المحكمة العليا يمكنها ترشيح قاضٍ خاص، وهذا هو الحال بالنسبة لكل من الكيان الصهيوني وجنوب إفريقيا. فقد أكَّدت محكمة العدل الدولية أنَّ على الكيان الصهيوني أن يتخذ كل الإجراءات التي في وسعها منع ارتكاب جميع الأعمال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية التي أقرّت وعرضت للتوقيع والتصديق الرسمي أو للانضمام بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ذي الرقم 260،000 (د-3) المؤرخ في 9 كانون الأول عام 1948 وتم البدء بتنفيذ المعاهدة يوم 12 كانون الثاني عام 1951 طبقاً للمادة 13 من الاتفاقية. وذكرت محكمة  العدل الدولية أنها تقرّ بحق الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية، مؤكدة أنَّ الشروط الأساسية متوفرة لفرض تدابير مؤقتة على الكيان الصهيوني، وأنَّ عليه الالتزام بتجنّب كل ما يتعلق  بالعمليات العسكرية وبالقتل والاعتداء والتدمير الممنهج بحق سكان قطاع غزة، وأن يضمن توفير الاحتياجات الإنسانية الملحّة في قطاع غزة بشكلٍ فوري. وبموجب الحكم الذي أصدرته المحكمة أيضاً يتعيَّن على الكيان الصهيوني أن يرفع تقريراً إلى محكمة العدل الدولية في غضون شهر بشأن كل التدابير المؤقتة. وعلى الكيان الصهيوني أن يؤكد على الفور أنَّ جيشه لا يرتكب الانتهاكات المذكورة سابقاً.

إنّ الشكوى التي قدّمتها دولة جنوب إفريقيا لمحكمة العدل الدولية التي تدين الدول في حالة عدم القبول والامتثال للمعاهدات الدولية قد اتهمت فيها “إسرائيل” بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وها هو الكيان الصهيوني الذي أنشأ بقرار من هيئة الأمم المتحدة عام 1948 في أعقاب عدد كبير من الجرائم بحق النساء والشيوخ والأطفال والممتلكات، وفي أعقاب أكبر إبادة جماعية في التاريخ الحديث والمعاصر، يجد نفسه متّهماً (بجريمة الجرائم الكبرى) حسب مفهوم وصياغة أستاذ القانون الدولي وهو يهودي أميركي من أصل بولندي رافائيل ليمكين مخترع ومؤسس هذا المفهوم في أعقاب المحرقة في الحرب العالمية الثانية، فقد قتل الجنود الصهاينة أكثر من خمسة وثلاثين ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، وجرح ما يزيد على خمسة وسبعين ألفاً معظمهم في حالة الخطر، وفرض النزوح كعملية تطهير عرقي لأكثر من مليون وتسعمائة ألف مواطن فلسطيني يمثلون نحو خمسة وثمانين بالمائة من سكان قطاع غزة، كما قصف جيش العدوان الصهيوني المستشفيات والمدارس وأماكن العبادة من مساجد وكنائس، إضافةً إلى العديد من الأماكن التاريخية والأثرية المسجّلة في يونسكو، ومنع دخول المساعدات الغذائية والدوائية والوقود وأسس مقومات الحياة اليومية وهي مساعدات إنسانية، ما يمكّننا من وصفها بأنها جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية. فإذا كانت محكمة العدل الدولية بأغلبية ساحقة لم تتخذ قراراً صارماً وصريحاً بوقف إطلاق نار فوري في قطاع غزة، إلا أنها دعت الكيان الصهيوني إلى (اتخاذ كل الإجراءات العملية لمنع الإبادة الجماعية) في قطاع غزة، وعليه أن يتأكّد فوراً من أن جيشه لا يرتكب الانتهاكات بحق الشعب العربي الفلسطيني، وأن يتجنّب كل ما يتعلق بالقتل والتدمير والاعتداء الوحشي غير الإنساني على سكان القطاع، كما أكَّدت المحكمة أنَّ لدولة جنوب إفريقيا كامل الحق في رفع الدعوى ولا يمكن قبول طلب الكيان الصهيوني بردِّها، وأكّدت أيضاً أنَّ لديها كامل الصلاحية للحكم بإجراءات طارئة في قضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضد الكيان الصهيوني ومجرمي الحرب. وهذه القرارات بحدّ ذاتها تعدّ تجريماً موصوفاً للكيان الصهيوني لما يرتكبه ضد الشعب العربي الفلسطيني من عمليات إبادة متواصلة، وخاصة أنَّ رئيسة المحكمة السيدة (جوان إي دونغو) الأمريكية الجنسية أشارت إلى البيانات والتقارير الأممية التي أكَّدت أنَّ قطاع غزة: ( تحوَّل إلى مكان لليأس والموت.. ونحن نقرّ بحق الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة بالحماية من أعمال الإبادة الجماعية). وإذا كان الكيان الصهيوني بما يملك من عنجهية وتعنّت لن يلتزم بقرارات محكمة العدل الدولية التي تمثِّلُ صوت العدالة الدولية، كما لم يلتزم نهائياً بجميع القرارات التي صدرت عن الشرعية الدولية المتمثلة بالجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، إلّا أنَّ القرارات التي صدرت يوم 26 كانون الثاني  تعرّي الكيان الصهيوني الغاصب بصفته كياناً عنصريّاً معادياً بالمطلق للقانون الدولي الإنساني، ويمارس بحق الشعب العربي الفلسطيني جرائم الإبادة البشرية والتطهير العرقي ومجازر دموية يومياً.

لذلك لم يكن مستغرباً ردّ فعل الكيان الصهيوني العنيف على قرارات المحكمة من رفض لها ولما أصدرته من قرارات، إذ أعاد مجرم الحرب بنيامين نتنياهو قوله: (إنَّ إسرائيل ملتزمة بحق الدفاع عن نفسها)، أي أنَّ جيش العدوان الصهيوني سوف يواصل حرب الإبادة الجماعية ويرتكب أبشع المجازر الوحشية ضد السكان الآمنين العزل من السلاح، وأضاف: إنَّ تهمة (الإبادة الجماعية ضد إسرائيل ليست كاذبة، بل شنيعة، ويجب على الأشخاص المحترمين في كل مكان أن يرفضوها)، وهذا الكلام موجَّه بشكلٍ مباشر إلى قضاة محكمة العدل الدولية، وهو يتهمهم بطريقةٍ غير مباشرة بالكذب وعدم الاحترام. أما مجرم الحرب إيتمار بن غفير وزير ما يسمّى الأمن القومي في حكومة نتنياهو اليمينية فقد اتهم المحكمة بأنَّها (معادية للسامية) تلك التهمة الجاهزة التي يلقونها على كل من يعارض سياستهم وتوجهاتهم وينتقدهم، حتى من أبناء جلدتهم اليهود المعادين لسياسات الكيان الصهيوني التوسعية والإجرامية المتشدِّدة، زاعماً أنَّ محكمة العدل الدولية لا تسعى لتحقيق العدالة، وإنما إلى اضطهاد الشعب اليهودي.