بهدف مكافحة الفقر وتأمين فرص العمل.. “الزراعة” تركز على القرى التنموية وإلغاء الدعم بالاتجاه الواحد
يقتضي الواقع الاقتصادي والمعيشي الصعب الذي نعيشه إعادة تصويب خطوات التنمية الشاملة والمستدامة، من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر وأيضاً المشاريع الأسرية الريفية، وهو ما تعمل عليه اليوم وزارة الزراعة والاستصلاح الزراعي، وخاصة في التركيز على موضوع القرى التنموية القادرة على تطوير نفسها عبر إمكاناتها الذاتية.
دور كامل للمجتمع المحلي
معاون وزير الزراعة الدكتور فايز المقداد، بين لـ”البعث” أن الوزارة ماضية في تنفيذ مشروع القرى التنموية في جميع المحافظات، مشيراً إلى إطلاق دليل القرى التنموية القائمة على المشاركة والمبادرات المحلية وذلك بعد التجربة الناجحة في قرية قطرة الريحان بمنطقة الغاب، والتي جرت فيها مجموعة تدخلات تنموية لفهم احتياجات القرية لنقلها من حال إلى حال أفضل، لذلك تم إعداد دليل القرى التنموية لتنظيم جميع الأنشطة في القرية وبيان كيفية تنظيمها، بعد أن أصبحنا أمام تجربة قابلة للتعميم والتطبيق على جميع القرى في المجتمع السوري.
وبين معاون الوزير أن الدليل يتضمن مجموعة من الأدوار التي يمكن تنفيذها في أي قرية، لمساعدتها في تنمية نفسها بنفسها دون الاتكال على الجهات الحكومية، عبر عدة محاور تبدأ بتدريب لجنة من السكان المحليين على اكتشاف نقاط الضعف والاحتياج مع استكشاف الفرص، وتشبيك العلاقات فيما بينهم وبين الجهات الداعمة مثل مؤسسات التمويل ووزارة الزراعة ممثلةً بمديريتي التنمية الريفية والثروة السمكية وغيرها من مؤسسات الإرشاد، فضلاً عن إيجاد إطار ناظم لكيفية إعداد دراسات الجدوى للمشاريع والحصول على تمويل لها، والأهم –برأي معاون الوزير- هو الانتقال إلى التمويل القائم على المجتمع المحلي، وبذلك لا يقتصر دور المجتمع المحلي على التخطيط، بل أيضاً التنفيذ والتقييم والمراقبة لجميع أنشطة القرية التنموية.
انسحاب تدريجي للزراعة
في الإطار ذاته تحدثت الدكتورة رائدة أيوب مديرة التنمية الريفية في وزارة الزراعة، موضحة أن جميع الخطوات التنموية للوزارة تشابكت مع خطوة إطلاق دليل القرى التنموية لتأطير التجربة وتنظيمها، من خلال توضيح منهجية العمل فيها ابتداءً من تشخيص الواقع وصولاً إلى وضع الخطط وتنفيذها ومتابعتها.
وحول تساؤل “البعث” عن ميزة خطوة القرى التنموية عن باقي المشروعات التي نفذتها الوزارة، بينت الدكتورة أيوب أن هذه الخطوة تتميز عن سابقاتها في عدم الاعتماد على الاتجاه الواحد في تقديم الدعم “الجهات الحكومية”، إضافة إلى أن التنمية ستتم من القاعدة إلى الهرم، فالسكان المحليون هم العنصر الأساس والفاعل والشريك في تحديد احتياجات قريتهم وشكل التدخل اللازم لتنميتها لتلبية تلك الاحتياجات عبر الاستخدام الأمثل للموارد الذاتية للقرية.
أما بالنسبة للمخطط الزمني لكل قرية، فقد أشارت مديرة التنمية الريفية إلى أنه تم تحديد مدة ستة أشهر لدراسة احتياجات ومشكلات القرية التنموية، و 12 شهر لتنفيذ المشاريع التنموية ضمنها، ومن ثم تحديد مدة 6 أشهر لانسحاب تدريجي للوزارة من القرية وتسليم كامل مهام إدارة مشاريعها إلى المجتمع المحلي، مؤكدةً أن دليل القرى التنموية يعكس إلى حدٍ كبير رؤية واستراتيجية الوزارة في موضوع التنمية الريفية عندما يتكامل مع بقية البرامج والمحاور المحددة من قبلها.
تجربة ناجحة
فادي سعيد، رئيس لجنة التنمية في قرية “قطرة الريحان” التي تعتبر تجربة نموذجية ناجحة بيّن أن المجتمع المحلي ضمن القرية حدد احتياجاتها عبر عملية مسح وتوزيع استمارات تضمنت كل المعلومات بما فيها شهادات أفراد الأسرة والطلاب، والثروة الحيوانية والأراضي والممتلكات، والبساتين والينابيع، ثم قامت اللجنة بدورها بطرحها على الجهات المعنية التي تجاوبت وتعاونت مع المجتمع المحلي بالشكل الأمثل للسير في عملية تنمية وصفها بـ”سريعة المفعول”، حيث رأت اللجنة أن عدد الينابيع كبير فربطتها بأحواض لتربية الأسماك وفي الوقت نفسه للاستفادة من مياهها الغنية بالعناصر المغذية للتربية في ري وتسميد الأراضي.
وحول موضوع التمويل بين السعيد أن 50% من أهالي القرية استفادوا من قروض مصرف الإبداع على عدة مستويات، فردي بمبلغ خمسة ملايين ليرة وبكفيل موظف واحد، وبكفالة موظفين وبمبلغ عشرة ملايين ليرة، وبكفالة ثلاثة موظفين بمبلغ عشرين مليون ليرة أينما وجد الموظفين وحتى لو كانت هناك في ذمتهم قروض أخرى، في حين تضمن النموذج الثاني مجموعات تكفل بعضها البعض لتنفيذ مشروع جماعي أو حتى فردي وكل منهم يحصل على قرض ودون كفالة موظف، ما سهل إلى حدّ كبير إقامة المشروعات ونجاحها.
سماد ذاتي الصنع
وتحدثت المهندسة الزراعية سلافه درويش، مدربة معتمدة لدى وزارة الزراعة في مشروع سماد “فيرمي كومبست”، عن تفاصيل تجربتها في قرية قطرة الريحان التنموية، مشيرةً إلى أن القرية تعد خطوة كبيرة لتحسين الواقع الاقتصادي من حيث رفع معنويات الأسرة الريفية، وزيادة تطوير المنتجات الريفية، والعمل على تحسينها وتسويقها، ما يخفف العبء الاقتصادي.
ولفتت درويش إلى أن المشاريع الزراعية المتناهية الصغر تعد أداة لتحسين سبل عيش الأسر الريفية، لما لها من أهمية بالغة في اقتصاد المجتمع الريفي كونها تعتمد على منتجات زراعية نباتية وحيوانية منتجة من الأسر الريفية وتحقق قيمة مضافة لها، وهي إحدى مصادر الدخل الرئيسية للأسرة الريفية المنتجة، كما توفر فرص عمل للشباب، بل ولكافة أفراد الأسرة لتمكينهم اقتصادياً واستثمارهم كقوى عاملة. كذلك تساعد الأسر على البقاء في قراها والاستمرار بالعملية الإنتاجية بالقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني المساهمة تحسين المستوى المعيشي.
ولفتت درويش إلى أنها ساهمت في التدريب على مشروع “فيرمي كومبست” لتربية ديدان السماد وإنتاجه من قبل الأهالي، حيث بدأت القرية بتربية أنواع من ديدان الأرض والعمل على توسعها لاستفادة منها في تخصيب التربة وتسميد مزروعاتهم، إضافة إلى تبنيهم العديد من المشاريع، ما شكل أنموذج قرية تنموية يمكن تطبيقه في كل المحافظات ليشكل منهج اقتصادي ريفي يمكن توسيعه بما يساهم في دعم الاقتصاد الوطني برمته.
زينب سلوم