ثقافةصحيفة البعث

صقر عليشي في “كتاب اللمحات”: أسلوب التهكم فاعل في وجدان المتلقي

ملده شويكاني

“حين أرادوا أن يصفوا

ويزيدوا في عمق اللوعة

قالوا عن ذاك العاشق:

ذاب كما الشمعة”

كيف وصف الشاعر صقر عليشي ذوبان الشمعة، الذي يشبه الموسيقا، في قصيدته لمحة عن الشمعة المنسابة مع الحزن الشفيف الذي يشد القارئ ابتداءً من لون الغلاف المتدرج من الأسود إلى البنفسجي، في مجموعته الشعرية “كتاب اللمحات” الصادر عن اتحاد كتّاب العرب ـ سلسلة الشعر ـ عام 2023.

كانت مفردة لمحة مكررة في كل قصائده التي استلهم عناوينها من عناصر الطبيعة وقوتها، فمضى من لمحة عن الجبل إلى لمحة عن الريح إلى لمحة عن الغيم، ليصل إلى الموجودات مثل لمحة عن الباب، ثم يدخل سراديب الذات فيكتب عن لمحة عن الدمع ولمحة عن الحنين وغيرها.

مقاربات ولكن؟؟

ومن زاوية أخرى عاد عليشي إلى الأدب العربي بعصوره القديمة، فاستحضر صورة المتنبي والمعري وعروة بن الورد التي ظهر دوره فيها من خلال أسطر القصيدة، ليأخذ دور الشاعر المتحاور مع عروة بن الورد مستخدماً ضمير المتكلم، واصفاً خيمة الأمير وهو الشاعر ذاته عروة بن الورد:

“وصلنا

نزلنا الخيام

وجدنا الأمير هنالك

يحسو قراح المياه

ويعطي العفاة”

فأوجد الشاعر مقاربة بينه وبين جيفارا بسؤاله “بأي اللغات تفاهمتما ياترى؟”

إلّا أن عروة بن الورد نفى ذلك:

لست أعرفه… لست أعرفه

(قال)

أكد ذلك للحاضرين والغائبين”

فعاد الشاعر ليسأله عن لينين وكتابه

“تعرف لينين ؟

أو هل قرأت له “ما العمل”

يخيل لي أنكم تهتدون بأفكاره

فأومأ بالنفي أيضاً

وبربر مستنكراً.. وانفعل”

ليدهش القارئ في قفلة القصيدة بسخرية مضحكة بالتزامه بأجوبة عروة:

“وهل كان ينقصني

أن أفوز بطعنة رمح؟”

وتابع لمحاته ليصل إلى لمحة عن الشاعر ذاته.

طريق الحرير والمعابد

ومن ثم يستقرئ التاريخ بلمحة هندية التي تطرق فيها إلى التوابل التي تحتاجها القصيدة، ومن ثم سلك طريق الحرير، وتابع تحركات السندباد، وزار المعابد معجباً بالبخور وبفلسفة زرادشت:

“وزرنا المعابد

نبحث عن فكرة للتناسخ

قيل تعيش هناك

لعل أثاثاً جديداً نعود به

في اللغة

وسرّ أتباعه

ولم يبخلوا بالبخور

وفي عالم الروح

كانت لنا معهم نزهة

وكانت حفاوتهم بالغه”

دهشة القفلة والتورية

ففي كل اللمحات دمج بأسلوبه الرائع بين السخرية والتهكم والدهشة، ولاسيما في القفلة بالنهايات الحزينة، معتمداً على التورية مثل قصيدته لمحة عن الشمعة فهي بالمباشرة عن الشمعة، لكنها بالمعنى البعيد عن الأنثى.

استهدافه بالحرب

بينما اقترب من الواقع بمباشرة بقصائده عن الشهيد والحرب الإرهابية التي مرت على سورية من خلال تجربة عاشها الشاعر بشكل خاص، فأشار في هامش قصيدة لمحة عن الحرب إلى “وضع اسمي على لائحة التصفيات في بداية الحرب على سورية من قبل الجماعات المسلحة ( تنسيقية شارع بغداد):

“فأنى توجهت

ثمة وجه الخراب

سأسرع جداً

سأسرع قبل سماعي الإذاعة

تنعي الشهيد: أنا”

-أبعاد نفسية

كما أنها مجموعة تختزل الذات الإنسانية بأبعادها الفلسفية والنفسية وبتكيفها مع الواقع الذي تعمل على أن يكون أفضل، فيفاجئ القارئ بمبتغاه بقصيدة لمحة عن الإنسان.

أكثر من دلالة

وحول هذه المجموعة تحدثت “البعث” مع الشاعر صقر عليشي الذي أصدر عشر مجموعات شعرية سابقة عن بعض الاستفسارات، فبدأنا من ألوان الغلاف الحزينة، فأجاب: “الغلاف رؤية المصممة وفاء الساطي وليست لي علاقة بتصميمه، أعتقد أن العين اللماحة هي سبب اختيار اللوحة، أما العنوان فله دلالة أكثر من كلمة اللمحات بمفردها، فهناك كتاب التلويحات للسهرودي، وكتاب الإشارات لابن سينا، والكتاب لأدونيس وغيرهم وأنا ارتأيتُ اختيار كتاب اللمحات، وبرأيي هذا لايؤثر على الشاعرية.

عناصر الطبيعة

أما عن حضور عناصر الطبيعة في المجموعة، فيعقب: “الطبيعة منجم رائع لمفرداتي وهي تأتي بشكل عفوي من دون تقصد، وأظن أن هذا عائد إلى البيئة الخلابة التي ولدت فيها في جبال اللاذقية المطلة على الغاب”.

حضور مختلف

وتوقفتُ معه حول أسلوبه بالتهكم والسخرية، فعلق: “نعم السخرية والتهكم أسلوب يروقني وتميزت به تجربتي، وأراه مؤثراً وفاعلاً في وجدان المتلقي أكثر من الأساليب الأخرى، ولا يجيده إلا قلة ويحتاج إلى موهبة خاصة، وكذلك القفلة المفاجئة من سمات أغلب قصائدي، وإذا كانت موفقة تترك دهشة عند المتلقي.

وتابع عن استخدام التورية والاقتباس والاعتماد على الأساطير وغير ذلك: “كله يعود لقراءاتي وثقافتي المتنوعة، ما يعطي قصيدتي الحضور المختلف”.

تمثُل التصوف

وفي نهاية الحديث سألته: إضافة إلى استحضارك الأقدمين، أفردت زاوية لابن عربي، فماذا ترمي من ذلك؟ يجيب: “حضور ابن عربي ومذهبه في وحدة الوجود هو تأثر إيجابي بتجربته الصوفية، أيضاً حضور النقري وغيره من المتصوفة، وأنا أتمثل التصوف كتجربة ساحرة في ظلالها وإشاراتها وطريقتها الإيحائية والرمزية في التعبير.