على واشنطن هدم الجدار الذي تبنيه حول الصين
عائدة أسعد
يعود أصل سيادة الدولة إلى صلح وستفاليا عام 1648، عندما نصّت المعاهدة التي أنهت حرب الثلاثين عاماً على أن كل دولة تتمتع بالسيادة ولها الحق في تقرير شؤونها الداخلية دون تدخل خارجي، وهو ما كان أساس العلاقات الدولية والتعايش لعدة قرون.
وتنصّ المادة 2 (7) من ميثاق الأمم المتحدة على أنه ليس هناك ما يجيز التدخل في الشؤون التي تدخل بشكل أساسي في السلطان الداخلي لأية دولة، وهذا يعني أن لكل دولة الحق في حكم نفسها دون تدخل خارجي (بما في ذلك الأمم المتحدة).
ذات يوم، قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل: “سوف يفعل الأميركيون دائماً الشيء الصحيح، فقط بعد أن يجربوا كل شيء آخر”, بينما يقول بعض المحللين السياسيين: لكي ندرك صحة هذا الاقتباس، علينا أن ننظر فقط إلى الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع علاقاتها مع الصين، وخاصة فيما يتعلق بمسألة تايوان وتصرّفات الولايات المتحدة خطيرة لأنه في مثل هذه الحالات قد يؤدّي خطأ واحد إلى كارثة عالمية، مع تأثيرات عميقة على التجارة الدولية والاستقرار العالمي، وفي عالم لا يزال يكافح من أجل التغلب على آثار جائحة كوفيد-19 والصراعات العسكرية، فإن زعزعة استقرار سلاسل التوريد العالمية ستكون بمنزلة ضربة خطيرة للبشرية.
وحسب أولئك المحللين، فإن التحركات الاستفزازية التي تقوم بها الولايات المتحدة ليست سوى تدخل في شأن داخلي خاص بالصين، ووفقاً لمبدأ صين واحدة الذي تم قبوله على نطاق واسع من المجتمع الدولي منذ السبعينيات، هناك صين واحدة فقط وتايوان جزء لا يتجزأ من الصين، وهذا المبدأ يشكّل حجر الزاوية في العلاقات الصينية الأميركية.
لقد غيّرت ناورو، إحدى أصغر الدول في العالم، سياستها الخارجية مؤخراً، وأعلنت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان، وتعتزم إقامة علاقات رسمية مع بكين بعد أن أدركت كيف يساعد مبدأ الصين الواحدة في الحفاظ على الاستقرار والسلام الإقليميين في منطقة المحيط الهادئ.
وتجدر الإشارة إلى أنه في السنوات الأخيرة، ومن أجل احتواء الصين وإثارة المواجهة، قامت الولايات المتحدة وبعض حلفائها بتشجيع جزيرة تايوان واستفزازها لاتخاذ إجراءات من شأنها زيادة الأعمال العدائية عبر مضيق تايوان، متجاهلة حقيقة أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين.
وفضلاً عن ذلك فإن لاي تشينغ تي، الذي فاز مؤخراً بانتخابات زعامة الجزيرة، قد يساهم في تدهور العلاقات عبر المضيق إذا تبنى أجندة انفصالية، وغني عن القول أن مثل هذه الاستفزازات ستضرّ بتايوان وبشعبها وبالعالم أجمع.
وبرأي المحللين، اقترب العالم من الشتاء النووي في عدة مناسبات، لكن القوى السياسية تحرّكت في الوقت المناسب لمنع حدوث الأسوأ، وإذا ردّت الصين بالمثل على استفزازات الولايات المتحدة المستمرة، فقد يواجه العالم مرة أخرى مثل هذا الموقف، وهو ما قد يؤدّي إلى قدر هائل من عدم الاستقرار والاضطرابات.
في 12 حزيران 1987 وفي خطابه الأكثر شهرة عند بوابة براندنبورغ في برلين الغربية، دعا رونالد ريغان الرئيس الأمريكي آنذاك ميخائيل غورباتشوف، الأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي آنذاك، إلى كسر جدار برلين، الذي ظل قائما منذ عام 1961.
ولكن اليوم تقوم واشنطن مع بعض حلفائها ببناء جدار ضد بكين من خلال فرض عقوبات تجارية عليها، وتوسيع وجودها العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ولعب ورقة تايوان، والمصادفة أن تصرّفات الولايات المتحدة تهدف إلى الحفاظ على هيمنتها العالمية.
وعلى الرغم من علمها التام بأن تايوان تشكّل خطاً أحمر في العلاقات الصينية الأمريكية، إلا أن الولايات المتحدة تلجأ إلى معايير مزدوجة، من خلال التأكيد على مبدأ صين واحدة من ناحية، ومن ناحية أخرى تفعل العكس من خلال تشجيع ودعم القوى الانفصالية في الجزيرة، ولذلك يتوجّب على قيادة الجزيرة وقبل أن تتأثر بوعود الدعم من الغرب أن تقرأ ما بين السطور لتدرك أن الغرب لا يقدّم سوى وعود فارغة.
لقد أصبحت مكائد الولايات المتحدة الاستراتيجية علنية مرة أخرى عندما قال ميتش ماكونيل، الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ الأمريكي في مقابلة أجريت معه قبل شهرين: “إن الأوكرانيين يقدّمون خدمة منخفضة التكلفة للولايات المتحدة في التنافس على القوة العالمية، لأن معظم الموارد التي أعلنت الولايات المتحدة أنها سترسل إلى أوكرانيا لم تغادر الولايات المتحدة”، وبات من الواضح أنه على رقعة الشطرنج العالمية التي تديرها واشنطن، لا تعدّ كييف أكثر من بيدق أميركي في الصراع الأوكراني الروسي.
إن العالم لا يحتاج إلى صراع عسكري آخر لمساعدة الولايات المتحدة في الحفاظ على هيمنتها العالمية، فهو يواجه بالفعل واحداً من أكثر أوقاته تعقيداً وتحدّياً بسبب الصراع الروسي الأوكراني، والقصف الوحشي لقطاع غزة من “إسرائيل” والردّ العنيف من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وما يحتاج إليه العالم هو السلام العالمي والتنمية المشتركة اللذان يعتمدان على العلاقات الصحية عبر المضيق وإعادة توحيد تايوان سلمياً مع الوطن الأم.
وإذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن يريد أن يدخل كتب التاريخ، فيتعيّن عليه أن يلتزم بمبدأ الصين الواحدة، وأن يفعل الشيء الصحيح ويقوم بهدم الجدار الذي تبنيه بلاده مع الغرب حول الصين!.