الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

لماذا لم توحّدنا عواصم الثقافة العربية؟

غالية خوجة

 

جميل أن فكرة “العاصمة الثقافية العربية” ظاهرة صحية وإيجابية تجسدت على أرض الواقع ابتداءً بالقاهرة، وتلتها تونس والشارقة وبيروت والرياض والكويت وعمّان والرباط وصنعاء والخرطوم ومسقط والجزائر ودمشق، والقدس هي عاصمتنا الثقافية الدائمة، وتلتها مدن وعواصم أخرى ممتدة إلى عام 2030.

لكن، هل يكفي أن تحتفل كل عاصمة بثقافتها على مدار عام كامل، وأن توزع بعض فعالياتها على المدن الأخرى في القطر العربي الواحد؟ ما القيمة المضافة على كل الأصعدة التي على العاصمة الثقافية أن تقدمها في كل المجالات والحقول والأنساق؟ أم ماذا لو شملت احتفالاتها الوطن العربي بمنهجية موحدة بأطر أساسية ومحاور ثابتة مع إضافات متحركة في المجالات الأخرى تتطور مع كل عام ومع كل عاصمة للثقافة العربية لتكون هناك هيئة عامة من كل الأقطار العربية تخطط للاحتفال بالعواصم الثقافية العربية لتوحدنا على الأقل؟

أصبحت فعاليات العواصم الثقافية تمر باهتة في العالم العربي، وإن كنا نتوقع أن تكون ذات زخم مرتفع الإيقاع والانتشار محلياً وعربياً. ولربما لما يحدث أسباب كثيرة، أهمها ظروف العشرية الأخيرة لعدد من الأقطار العربية، ومنها أن منهجية فعاليات العاصمة الثقافية العربية لم تتسع لتشمل الوطن العربي، بل كانت أقرب إلى مكانية العاصمة نفسها، والقطر الذي تقع فيه، فلم تمتد كمنهجية لتوحدنا في أقطارنا العربية، وتنتشر فعالياتها في عالمنا العربية على مدى العام كوفود زائرة، ووفود مستقبلة، وغالبية هذه العواصم لم تكن حاضنة لفئات المجتمع العربي لكونها لم تنتقل بفعالياتها إلى الناس كلهم، سواء في مجتمعها أم في المجتمعات العربية، فلم تزرهم في بلدانهم، ولم تجعل من أمكنتها في الهواء الطلق وأمكنتها العامة منصة للفعاليات والأنشطة المتنوعة والمختلفة ولم تكتشف المزيد من المواهب، ولم تضف المناسب من المهرجانات المتواصلة الأدبية والتراثية والفنية والمسرحية، ولم تخطط الجهات المسؤولة عن هذه العواصم معاً من أجل الثقافة العربية ككل، والمجتمع العربي ككل، واكتفت كل عاصمة ببرامجها وفعالياتها، ولم تشعرنا بأن هناك كرنفالاً شعبياً عربياً يمتد من المحيط إلى الخليج كل عام مع كل عاصمة للثقافة العربية.

ترى!! ما رسالة العواصم الثقافية إن لم تحمل هموم الإنسان العربي، وتفكّ حصاره، ومظالمه، وتنتصر لانتمائه وهويته وحقه وحقوقه، وتتفاعل معه في كل شبر من الأراضي العربية؟

وما الرسالة الثقافية الإنسانية الحضارية العربية الهادفة لهذه العواصم على كل الأصعدة إن لم تلفت بدبلوماسيتها الثقافية اليونسكو والجهات العالمية الأخرى إلى ما يحدث في الكثير من بلداننا العربية، وحقوقنا العربية، وحقوق تراثنا العربي المادي واللا مادي الذي يدمّر بمنهجية مدروسة من قبل أعداء هذا التراث وأعداء هذه الحضارة وأعداء حاضر ومستقبلهذا الوطن العربي؟