ثقافةصحيفة البعث

“طريق النحل” صراع الحبّ على خلفية الحرب في النادي السينمائي

ملده شويكاني

“إنت وأنا ياما نبقى على حدود السهل، وعلى خط السما الزرقا مرسومة طريق النحل”، على تأثير أغنية فيروز والطائرة المحلقة بعيداً في سماء دمشق، انتهى فيلم طريق النحل للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد -إنتاج المؤسسة العامة للسينما- الذي عُرض في جلسة النادي السينمائي في سينما الكندي بإشراف المخرج والكاتب وليم عبد الله بالتعاون بين مؤسسة أحفاد عشتار والمؤسسة العامة للسينما.

ومن خلاله اختزل المخرج عبد اللطيف عبد الحميد رسالته بتمسّك السوريين بقرار البقاء بأرض الوطن على الرغم من كل الأوضاع القاسية في سنوات الحرب.

الحبل السري

وللوهلة الأولى يفتح عبد الحميد باب التساؤلات حول اسم الفيلم الذي يتضح بالنهاية، فطريق النحل هو الحبل السري الذي يربط النحلة بالخلية كما يرتبط السوريون بوطنهم الواحد على الرغم من تعدّد اللهجات، حينما قال “رمزي” لـ”ليلى”: “أحبك” بكل اللهجات السورية.

حكايات البيت الدمشقي

يُبنى الفيلم على حكاية بسيطة مثل كلّ أفلام عبد اللطيف عبد الحميد، تنطلق من واقع الحرب لتتوازى مع صراع الحب، معتمداً على تمرير أحداث الحرب ضمن السياق الدرامي ابتداء من البيت العربي في دمشق القديمة الحاضرة بحاراتها وأقواسها، إلى البحرة وسط باحة البيت التي تسقط بالقرب منها قذيفة يتمكن “رمزي-يامن الحجلي” من منعها من الانفجار.

التهجير والهجرة

لتبدأ الحكاية من هذا المنزل الذي يجمع المستأجرين المهجّرين، إذ هُجّرت “ليلى-جيانا عنيد” وأخوها وائل زيدان من حمص، وقدم “رمزي” من الرقة، ومن خلال الحوارات يتناول عبد الحميد حكايات الحرب والموت والخراب، إذ تنجو “ليلى” مع أخيها ويستشهد بقية أفراد عائلتها من جراء قذيفة، في حين يبتعد “رمزي” عن والدته نتيجة الاشتباكات مع داعش.

يتناول المخرج ظاهرة هجرة الكثير من أبناء الشعب السوري إلى مجتمعات غريبة في أوروبا، هرباً من الموت الذي صادفه كثيرون في البحر، أو بحثاً عن الأمان بحياة أفضل، وهذا ما ارتبط بمصير شخصيات الفيلم.

فيلم داخل فيلم

والجميل أن الفيلم تضمن فيلماً آخر ضمن وحدته المتكاملة بفيلم داخل فيلم، إذ يمثل عبد اللطيف عبد الحميد دور المخرج جميل الذي يبحث عن وجه جديد عن ممثلة شابة تمتاز بأدائها العاطفي الإنساني، فيلتقي مصادفة مع “ليلى” الطالبة الجامعية في كلية الطب البيطري ويقنعها بالتمثيل مع البطل “سليم” الممثل المشهور الأرمل الذي وصل إلى خريف العمر لكنه يقع بحبّ “ليلى” الشابة، ويؤدي دوره النجم اللبناني –بيير داغر- ليمرر عبْر حبكة هذا الفيلم مسائل اجتماعية تقوم على الانتهازية والاستغلال والاستهتار الأسري، وبحث الرجل المسنّ عن فتاة شابة على الرغم من التزاماته العائلية، كما يتطرق إلى إيجابية أساليب التربية الحديثة من خلال علاقة سليم بحفيده.

فضاءات مفتوحة

وتنتقل كاميرا عبد الحميد إلى فضاءات مفتوحة، فمن دمشق إلى الطريق الساحلي إلى عوالم البحر في طرطوس التي صوّر فيها المخرج جميل فيلمه بأوقات مختلفة، تناغمت فيها الأحداث مع الإضاءة بالليل وانعكاس الشمس على أمواج البحر، وأفرد مساحة لإغناء الصورة البصرية بأماكن سياحية على الشاطئ.

صراع الحب

وتمضي الأحداث بخطين متوازيين بين الحبّ والحرب، إذ تعيش “ليلى” صراعاً داخلياً قوياً بين عودة “عادل” ابن خالتها الذي هاجر إلى ألمانيا نتيجة الحرب وطلبه المتكرّر الزواج منها واللحاق به لتعيش حياة هادئة ومريحة، وبين سليم الرجل المتزن المشهور الثري الذي أعجبت بسلوكياته وتصرفاته وثقافته وبشعره الأبيض، وبين “رمزي” الشاب المنفتح على الحياة الموهوب بتقليد الأصوات، ولاسيما زقزقة العصافير التي توحي بالفرح والأمان، ويمتد الصراع ليطال “رمزي” و”سليم” بشكل مباشر.

مفاجأة المخرج

وفي قصة الفيلم الفعلي يعمد المخرج إلى المفاجأة التي تهزّ المشاهد حينما يسقط “رمزي” إثر قذيفة وتوضع الجثة بالبراد، ولكن حينما تتعرف “ليلى” برفقة مدحت إلى الجثة يستيقظ، ويشرح ذلك الطبيب ـ المخرج أحمد إبراهيم أحمد- بحالة الموت المؤقت.

ويوهم المخرج ـ في المشهد الأخير ـ المشاهدين بأن ليلى ستهاجر إلى ألمانيا بعد أن سافر “مدحت” إلى كندا ليلتحق بزوجته وأولاده، فيلوح لها “رمزي” ودموعه تنهمر، لتأتي مفاجأة المخرج بعودة حقائب “ليلى” وعودتها إلى “رمزي” وإلى الوطن، وتقول له: “بدي ارجع مشي عل الشام”.

الصراع بين المادة والروح

وبعد العرض حفلت جلسة النادي بمناقشة الجمهور مع المخرج والكاتب وليم عبد الله، إذ أوضح أن قصص الحب الثلاث جميلة، والصراع كان بعيداً عن الشر، وكان بين الجميل والأجمل، وفي النهاية أوصلنا المخرج بتصاعد الحدث إلى اقتناع الرجل الثري بأنه خارج الدائرة، وبقي الصراع بين الحالة التقليدية والمغامرة، لتختار “رمزي” حلم المستقبل، وهذا يعود إلى ذكاء المخرج، أما الصراع الآخر الذي تحدث عنه عبد الله فكان بين المادة والروح وبين حياة التوتر والقلق والحياة الهادئة، بين السفر إلى ألمانيا والبقاء في سورية.

رمزية الشخصية

وعقب على تقاطع أحداث الفيلم الذي صُوّر ضمن الفيلم الأساس، في النهاية تخرج الشخصيات من إطار الحب إلى الوطن.

وتداخلت آراء الجمهور حول فكرة العودة إلى الوطن على الرغم من خيارات مغرية، من خلال شخصية يامن الحجلي الذي يمثل جزءاً من الوطن، وبالاتجاه نحو الرمزية فشخصية “ليلى” موجودة في كل شخصية، وكل إنسان يعيش الصراع نتيجة فرصة تصل إليه. كما ناقشت الآراء الأفكار التربوية التي تطرق إليها الفيلم، ومسألة عمالة الأطفال نتيجة الحرب، والأخطاء الطبية التي قد تودي بحياة الإنسان في حالات الفوضى بالحرب.