“أتمتة” الامتحانات تأجلت.. والطلاب ضحية التسرع والنزعة الاتجارية
البعث – علي حسون
أثار قرار تأجيل تطبيق نهج الامتحانات المؤتمتة للشهادة الثانوية للعام القادم جدلاً واسعاً، لاسيما بعد ما طبقت وزارة التربية النظام المؤتمت على بعض مواد الفصل الأول للشهادة الثانوية، وأعلنت عن اتباع هذا النظام خلال الامتحان النهائي، ما سبب إرباكاً عند الكثير من الطلاب بعد أن بدؤوا يتحضرون بدراستهم على نمط الأسئلة المؤتمتة وفق تأكيدات عديد من الطلاب الذي أشاروا لـ “البعث” بأن وزارة التربية استعجلت في اعتماد الأنموذج المؤتمت كونهم لم يعتادوا على طبيعة الأسئلة والحل المؤتمت، موضحين أن ما جرى في تجربة الامتحان النصفي من طريقة ومستوى الأسئلة أربكهم وشتت أفكارهم.
جيل يقرأ لا يكتب!
خبراء تربويون اعتبروا أن تطبيق النظام المؤتمت أمر إيجابي لكنه بحاجة إلى دراسة متأنية، وتدريب المدرسين إضافة إلى تهيئة الطلاب قبل الوصول إلى امتحانات الشهادة الثانوية، مشيرين إلى ضرورة إعادة النظر بطبيعة وبنية الأسئلة الامتحانية والوصول إلى نظام امتحاني متطور يحقق الغاية المرجوة من التحصيل العلمي للطالب الذي سيدخل حياة جامعية باختصاص يتناسب مع رغباته ومهارته المكتسبة أيام الدراسة، إضافة إلى التخفيف من أعباء وتكاليف العملية الامتحانية.
في الوقت نفسه، أكد مدرسون أن الأسئلة المؤتمتة تخفف الضغط على مديريات التربية لجهة عمليات التصحيح وإصدار النتائج بأقرب وقت ممكن وتحقيق العدالة والنزاهة بالنتائج كونها لن تخضع للعنصر البشري.
واعتبر مختصون أن الاعتماد على نظام الأسئلة المؤتمتة فقط سيوصلنا إلى طلبة “تقرأ ولا تكتب” مستشهدين بتجربة اليابان التي ألغت الأتمتة بعد عشر سنوات من اعتماده، وعادت إلى نظام الأسئلة التقليدي، بعد دراسات وافية أكدت عدم جدوى النظام المؤتمت.
الاصطياد بالماء العكر
وفي غمرة ردود الأفعال ما بين مختصين وطلاب، يحاول طرف ثالث الصيد في الماء العكر وذلك بالتشكيك بنجاعة الأسئلة المؤتمتة ليس من باب المعرفة والمصلحة التربوية، بل لمصالح شخصية تخدم تجار العلم في المدارس والمعاهد الخاصة في ظل الأجواء السوداوية التي يصبغها مدرّسو التعليم الخاصة مع المدارس والمعاهد الخاصة (الربحية)، إذ يشتغل التعليم الخاص على تصوير وتهويل الأمر من أجل تخويف الأهالي وإقناعهم بأن قطار نجاح أولادهم لابدّ من أن يمرّ عبر قاعاتهم كونهم العارفين بنوعية وكيفية أسئلة الامتحان!
يقطع الطريق
مدير مركز القياس والتقويم في وزارة التربية، الدكتور رمضان درويش، اعتبر أن قرار “أتمتة” أسئلة امتحان الشهادات العامة سيقطع الطريق على تجار العلم والباحثين عن المكاسب المالية على حساب مصلحة الطلاب ومستقبلهم، ولم يستغرب توجيه الاتهامات والتشكيك بنظام الأتمتة، مشيراً إلى أن قرار وزارة التربية جديد ويحمل مصلحة الطلاب قولاً واحداً، لاسيما أن الوزارة تدرس هذا القرار منذ سنوات من خلال عمليات قياس واستبيانات، لافتاً إلى أنه يتم تدريب المدرسين على كيفية بناء اختبارات من هذا النوع، وهو مستخدم في معظم بلدان العالم، في المدارس والجامعات، مؤكداً أن اختبارات “الاختيار من متعدد” تعد من الاختبارات الموضوعية، وستحقق العدالة أثناء التصحيح كون العنصر البشري لن يكون له تأثير على عمليات التصحيح وسيحصل الطالب على الدرجة نفسها حتى لو أعيد تصحيح الورقة الامتحانية مرات عدة، عكس التصحيح اليدوي، ولاسيما في الأسئلة المقاليّة، حيث هناك هفوات وآراء أيضاً على الرغم من توحيد سلالم التصحيح، فالاختبارات الموضوعية تتمتع بخصائص لا تتوافر في الاختبارات المقاليّة، من أهمها شموليتها لكامل المنهاج لتعدد الأسئلة، وتراعي التوازن في قياس الأهداف التربوية المعرفية والمهاريّة، والوجدانية، بجميع مستوياتها من التذكر حتى الإبداع.
وبين درويش أن المركز درب 600 موجه مختص على النظام المؤتمت وسيتم توسيع رقعة التدريب والتأهيل لتصل لكافة المدرسين في القطر.
.. لا علامة تامة!
كان لافتاً خلال متابعتنا لموضوع الأسئلة المؤتمتة ما كشفه مصدر في وزارة التربية عن عدم حصول أي طالب العلامة التامة في مقرر الرياضيات المطبق في الامتحان النصفي، مما يؤكد إيجابية النظام المؤتمت كونه يخرج ذهنية الطالب من الحفظ والتلقين والحصول على العلامة التامة بغض النظر عن الفهم، وهذا مخالف لدراسات التربوية العالمية وفق وجهة نظر المصدر الذي أكد أن في إحدى الدول المتقدمة علمياً حصلت طالبة واحدة فقط على الدرجة التامة واسمها حالياً مسجل في الأرشيف التربوي للدولة.
إشكالية تعاطي
يبقى أن نشير إلى أن وزير التربية الدكتور محمد عامر مارديني لم يخف وجود إشكالية معينة في طريقة التعاطي مع الإجابات وذلك بعد تقييم نتائج الامتحانات النصفية بالطريقة المؤتمتة، وبناء عليه قدمت وزارة التربية مقترحاً لمجلس الوزراء بالتريث حتى العام القادم وتمت الموافقة عليه، مشيراً إلى أنه تمت مناقشة إيجابيات النظام الامتحاني المؤتمت وسلبياته وضرورة تدريب وتأهيل الأساتذة والطلاب والمناهج بما يتوافق مع أتمتة الأسئلة.