من وجهة نظر الاختصاصيين.. التوجه نحو عمليات الأتمتة والدفع الإلكتروني سيرمم العلاقة بين المواطن والمؤسسات
دمشق – البعث
تتأرجح جدلية عدم جدوى وفعالية القوانين والأنظمة بين توجيه المسؤولية إلى المجتمع والأفراد من جهة وارتباطهم بموروثات سابقة، وبين اتهام موجّه نحو ثغرات وعيوب تضمن تلك القوانين، حيث لدينا في كلّ قانون خلل يمكننا عبره التلاعب واللف والدوران عليه لتحقيق أهداف شخصية قد لا تتناسب مع المجتمع، فالالتزام بالقوانين بالنسبة لشخص يعيش في دول متقدمة هو حماية له أولاً، بينما يرى الأشخاص في مجتمعاتنا أن تنفيذها يتعارض مع مصالحهم الخاصة، وبالتالي يتمّ اختراقها وأحياناً إهمالها، وهذه المفارقة ما زالت تثير التساؤل حول ماهية المشكلة لدينا، فهل هي ناتجة عن ضعف أنظمتنا، أم رفض الأفراد لتطبيقها على مبدأ تفضيل المصلحة الشخصية على المصلحة العامة؟.
بالنظر إلى القوانين العامة المتعلقة بحياتنا اليومية كأنظمة المرور والسير والمعاملات والإجراءات الروتينية، يتجلّى لنا عدم الرغبة لدى الكثيرين في الانضباط والالتزام، وهنا تشير أستاذة علم الاجتماع هالة السيد إلى تأثر الفرد بالطريقة السائدة لعملية الانضباط، حيث تنعكس على مفاهيم الأفراد في المجتمع، أي أن أي مخالفة أو عملية تجاوز للقانون من فرد أو مجموعة تؤدي إلى انتشار هذه الظاهرة في المجتمع وتتحوّل إلى عرف اجتماعي، وتضيف السيد: عملية الانضباط ترتبط بالتعلم البصري، أي أن ما نشاهده أمامنا يشكّل مفهوماً محدّداً لأفعالنا، لذلك نسمع بالعديد من المغتربين الذين يحترمون ويتقيدون بالأنظمة خلال سفرهم إلى أي بلد عبر مراقبة سلوك الأفراد في تلك المجتمعات، لكن عند تواجدهم هنا يتصرفون بطريقة مختلفة تماماً حسب المفهوم السائد، لذلك يجب أن ننتبه إلى دور التعلم البصري في الالتزام والانضباط الاجتماعي العام.
وجود القوانين وحده لا يكفي، فالقانون يحمل جانباً تشريعياً وجانباً تنفيذياً يتعلق بعملية تطبيق القانون والعقوبات لعدم الالتزام به، ويوضح المحامي هاني الصفدي أنه لا يمكن أن يأخذ القانون دوره الحقيقي ما لم يتمّ التحذير من العقوبات كرادع مهمّ للأفراد يمنعهم من مخالفته، ويحقق الالتزام بنسبة عالية من قبل الأفراد، أما في حال عدم تنفيذ العقوبة فيعتبر هذا مشجعاً مهماً على تجاهل القوانين والأنظمة. وفي هذا السياق لا بدّ أن نؤكد على فعالية العقوبات المادية الفورية للمخالفات، أي في لحظة وقوع الخطأ، لأنه يحقق مصداقية وجدية في تنفيذ القانون أمام الناس، أما في حال الاستهتار بالمحاسبة وعدم تنفيذ العقوبات فإن هذا يفتح أبواباً لانتشار الفوضى وعدم احترام المجتمع بشكل عام، وهنا نتحدث عن المخالفات البسيطة والارتكابات الصغيرة، أما في حال كانت المخالفات كبيرة فيجب أن تكون العقوبات أقصى مادياً ومعنوياً كالسجن أو الحجز أو ما شابه ذلك.
ويرى البعض أن مشكلة عدم الالتزام بالقوانين العامة يعود إلى عدم قدرتها على تلبية احتياجات المجتمع أو تنظيمه بسبب إغفال جوانب مهمّة قد يكون لها الأثر الأكبر في عدم جدواه، وقد يتخلّل القانون بالأصل بعض الثغرات التي تسمح بالخلل وارتكاب التجاوزات، ولدينا العديد من النماذج لهذا النوع من القوانين. وهنا يؤكد المحامي بيان عرابي أننا نعتمد في حياتنا اليومية على أنظمة وقوانين جاهزة، فهي على الأغلب قديمة جداً، ولم يتمّ تعديلها، ومنها مأخوذة من تجارب دول أخرى أو قد تكون أنظمة مرتبطة بفكر نظري لا يعتمد على الواقع ودراسة لمتطلبات المجتمع ومراعاة خصوصيته، وبالتالي فإن تنفيذه من قبل أفراد المجتمع يصبح عبئاً عليهم، مما يدفعهم للبحث عن طرق وأساليب لاختراق هذا القانون حتى يتماشى مع الواقع المعيشي والخدمي للمجتمع في تأمين متطلبات الحياة.
وبكل تأكيد فإن التقدم التكنولوجي سمح بالتخفيف من تفاقم عمليات تجاوز القوانين، فأتمتة معظم الخدمات العامة وقلة التعامل مع العنصر البشري لتلبية هذه الخدمات أوقف الكثير من المعاملات التي كان يلجأ لها البعض للحصول على معاملاتهم في مرافق الدولة، وبالتالي التخفيف من تذمر الكثيرين من تعامل موظفي الدوائر الحكومة، إذ يؤكد الخبراء أن الأتمتة تلعب دوراً جوهرياً في الانضباط وعدم تجاوز القوانين، حيث لا يمكن التلاعب بالمعلومات التي تدخل على أنظمة الكمبيوتر، وبالتالي لا يلجأ المواطن لخرق الأنظمة أو لعمليات التزوير، وكلما سعت الحكومة في تطبيق نظام الأتمتة ساهمت في التخفيف من عمليات الرشوة وابتزاز بعض الموظفين لإنهاء معاملات المواطنين في وقت وجهد أقل، ولا شكّ أن التوجّه نحو عمليات الأتمتة والدفع الإلكتروني وغيرها من التوجهات سيكون له نتائج إيجابية تخدم المجتمع بشكل كامل وترمّم العلاقة بين المواطن والمؤسسات المختلفة.