الإبادة الجماعية ولعبة الانتظار
تقرير إخباري
ما يشهده العالم اليوم في غزة هو نتيجة لتطبيع الأمم المتحدة للاستعمار الصهيوني لفلسطين وإقامة “إسرائيل” على الأراضي الفلسطينية في عام 1948. ولتزايد عواقب الاستعمار، قرّرت الأمم المتحدة أن المستوطنات التي أقيمت بعد عام 1967 غير قانونية بموجب القانون الدولي، ما يعني أن المستوطنات السابقة كانت معفاة من التدقيق، وأصبح الاستعمار مجرّد سلسلة من انتهاكات القانون الدولي منفصلة عن عملية تحقيق المفهوم الصهيوني لما يسمّى “إسرائيل الكبرى”. وحتى محكمة العدل الدولية لم تكن قادرة على الدعوة إلى وقف إطلاق النار، الذي يشكّل خطوة أولى عملية نحو وقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل”. وبعد ساعات من حكم، شنّت “إسرائيل” هجوماً على “الأونروا” ما أدّى إلى قيام العديد من الدول الغربية المانحة، بقطع التمويل عن الوكالة، وبالتالي التواطؤ في الإبادة الجماعية التي تُرتكب ضدّ الفلسطينيين حتى الآن.
وليس هذا فقط، بل حضر مؤتمراً نظّمته حركة الاستيطان اليمينية المتطرفة “ناهالا” بعنوان “الاستيطان يجلب النصر والأمن”، أعضاء الكنيست، ودعا وزير المالية بتسلئيل سموتريش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى التوسّع الاستيطاني في غزة، في حين دعا عضو الكنيست السابق موشيه فيجلين إلى “ازدهار غزة بالقرى والمدن اليهودية”. وشدد المؤتمر على ما يسمّى “الهجرة الطوعية” للفلسطينيين، التي أيّدها ودعا إليها علناً العديد من المسؤولين والدبلوماسيين “الإسرائيليين”.
وفي الوقت نفسه، دخلت قوات الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً مستشفى ابن سينا في جنين متنكرة بزيّ مدنيين وطاقم طبي، فقتلت ثلاثة فلسطينيين داخل المستشفى كانوا، وفقاً للرواية الأمنية “الإسرائيلية” التي لا تنتهي، جزءاً من “خلية إرهابية تابعة للمقاومة الفلسطينية”. وهذا ليس سوى الهجوم الأحدث على المستشفيات وغيرها من الأماكن التي ينبغي أن تكون آمنة للفلسطينيين، وتنفيذ عمليات قتل خارج نطاق القانون بحجّة وجود عناصر تابعة للمقاومة الفلسطينية، فهو يشير إلى قيامها بقتل الفلسطينيين على نطاق واسع، بما في ذلك في الضفة الغربية المحتلة.
وفي أعقاب هذا الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في غزة، اضطرّ سكان القطاع إلى النزوح قسراً بالكامل تقريباً، ناهيك عن أن غزة أصبحت بالفعل عبارة عن مجموعة من اللاجئين، وغزو رفح التي تمثل نقطة العبور إلى مصر عمل ممنهج لتهجيرهم.
إن صمت المجتمع الدولي مروّع للغاية لدرجة أنه يصعب تصديقه، والخطوة التالية والصادقة لمثل هذا التكتل من المنافقين القتلة هي أن يتوقف المجتمع الدولي عن تأكيداته الكاذبة بدعم الحقوق الفلسطينية، فمن غير الممكن أن تؤخذ أي حكومة على محمل الجد بعد هذا الدعم العلني لخطط “إسرائيل” الاستعمارية.
تريد “إسرائيل” جعل غزة قاحلة، وهو ما يعكس الأسطورة الصهيونية أن فلسطين كانت أرضاً فارغة وقاحلة وتنتظر الحركة الصهيونية لإعادة إعمارها، وهي أسطورة كاذبة. إن إرغام الفلسطينيين على الخروج من غزة من شأنه أن يؤدّي إلى إفراغ الأرض من الفلسطينيين، دون أن يشعر المجتمع الدولي بأي تأنيب ضمير على الترحيل القسري، أو الإبادة الجماعية. وبغض النظر عن أي شكل من أشكال التجريد من الإنسانية، فإن كل فلسطيني تقتله “إسرائيل” يحمل ثقلاً إضافياً يتمثل في مطالبة الحكومات والمؤسسات الدولية للسكان المستعمَرين بالانتظار، للسماح لأشخاص آخرين باتخاذ القرار نيابةً عنهم، والإبادة الجماعية هي نتيجة هذا الانتظار.
عناية ناصر