اليوان الصيني يغزو إفريقيا
د.معن منيف سليمان
عملت الصين خلال السنوات الماضية على تشجيع استخدام العملات المحليّة “اليوان” في المعاملات التجاريّة بينها وبين دول إفريقيا، في محاولة للتخلّص من سيطرة الدولار على الأسواق الإفريقيّة التي تعاني ديوناً طائلة. ووضعت الحكومة الصينيّة خطّة محكمة لتنفيذ أهدافها، فبدأت بإصدار سندات “الباندا” باليوان عبر الحدود، وإنشاء فروع لبنوكها في مختلف دول القارّة لتصبح الصين أكبر شريك تجاري لدول إفريقيا. ومن شأن ذلك أن يزيد الطلب على اليوان الصيني في المستقبل مقابل التخلّي عن الدولار، وخاصّة أن بكين لا تربط استثماراتها أو قروضها للبلدان الإفريقية بشروط سياسيّة.
نظراً للعلاقات الوطيدة التي تتمتّع بها الصين مع دول إفريقيا، تفوّقت الصين على الولايات المتحدة في عام 2009 لتصبح أكبر شريك تجاريّ لدول إفريقيا، بتوقيع اتفاقيات تجارة ثنائيّة بين بكّين وأربعين دولة من القارّة. وفي عام 2000 بلغ حجم التجارة بين الصين وإفريقيا 10 مليارات دولار، وبحلول عام 2014 نمت إلى 220 مليار دولار.
والجدير بالذكر أنه مع ارتفاع الدولار الأمريكي، بات العديد من البلدان الإفريقية يواجه مشكلاتٍ متزايدة في سداد الديون، ما جعل العديد من الحكومات الإفريقيّة تبتعد عن اعتماد الدولار وتستبدله بقروض من الصين باليوان الصيني. وقد استفادت الصين من ذلك لتعزيز حضور عملتها في إفريقيا في إطار سعيها لتقليص تعاملاتها بالدولار الأمريكي.
وكانت العقوبات الماليّة التي فرضها الغرب على روسيا من أهم العوامل التي دفعت الصين إلى الإسراع باستخدام اليوان بغية تجنّب مصير مشابه لموسكو؛ وخاصّة في توتّر علاقاتها بواشنطن نتيجة الحرب التجارية بينهما وبسبب تنافسهما على النفوذ في منطقة خليج تايوان وجنوبي بحر الصين.
ونتيجةً لرفع البنك الفيدرالي الأمريكي للفوائد على الدولار تعرّض اقتصاد بعض الدول الإفريقية وخاصّة مصر وزامبيا وغيرهما من الدول المدينة بالدولار إلى ضغوط غير مسبوقة زادت أزماتها الاقتصادية؛ ما أفسح المجال لاستغلال البنك المركزي الصيني للفرصة لكي يخطّط لإصدار المزيد من الديون بعملته، علماً أن أسعار الفائدة على اليوان الصيني هي أقلّ بكثير من الفوائد على الدولار الأمريكي.
إن تشجيع استخدام العملة الصينية يمنح الصين المزيد من المرونة في السياسة الخارجية، كما أنه ينقل مخاطر العملة من الصين، التي قد تضطرّ لولا ذلك إلى قبول دولارات أمريكية مقوّمة بأقل من قيمتها الحقيقية أو مبالغ فيها من شركائها التجاريين.
وبناءً على ذلك وضعت الحكومة الصينية خطّة محكمة لتنفيذ أهدافها، التي بدأت باتجاه إصدار سندات “الباندا” باليوان عبر الحدود، فضلاً عن إنشاء الكثير من أفرع بنوكها في مختلف دول القارة الإفريقيّة كجزء من محاولتها التخلّص من الدولار.
وكان نائب رئيس بنك الصين، لين جينغ تشن، بزيارة زامبيا في كانون الأوّل الماضي؛ حيث عقد اجتماعاً مع رئاسة الدولة هناك ووعد باعتماد العملة الصينية بدلاً من الدولار في التعاملات الاقتصادية للصين مع زامبيا والدول الإفريقية الأخرى، وهذا ما جعلها تصدر سندات “الباندا” باليوان الصيني لتكون متداولة عالمياً.
وكانت مصر من أوائل الدول التي استفادت من سندات “باندا”؛ حيث أصدرت سندات بقيمة 3.5 مليارات يوان (490 مليون دولار) في إطار مواجهتها لأزمتها الاقتصادية وعجزها عن سداد ديونها بالدولار الأمريكي.
وتدرس كينيا التي تواجه أيضاً مشكلات في سداد الديون، إصدار سندات “الباندا” لتأمين الأموال اللازمة لسحب سندات اليورو البالغة قيمتها ملياري دولار التي تستحق هذا العام.
وفي نيجيريا، تفيد التقارير بأن السياسيين يعملون على إحياء اتفاقية تبادل العملات الثنائية لعام 2018 مع البنك المركزي الصيني.
وفي آب الماضي، قام أكبر بنك في جنوب إفريقيا، ستاندرد بنك، وأكبر بنك صيني مملوك للدولة، البنك الصناعي والتجاري الصيني، بتجديد شراكة طويلة الأمد تعمل على تسهيل استخدام اليوان عبر 15 سوقاً إفريقيّة.
وفي هذا السياق، تعمل الصين على تشجيع الشركات الصينية على استخدام اليوان في المدفوعات التجارية عبر الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق، حيث تشهد أكبر البنوك الصينية في إفريقيا توسّعاً ونموّاً كبيراً. ولا شك في أن الصين سوف تضغط بقوّة من أجل إصدار المزيد والمزيد من الديون بعملتها، مع الحافز اليوم بأن أسعار الفائدة الصينية أقلّ من أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
ويتوقّع المحلّلون الاقتصاديون أن يتزايد الطلب على اليوان الصيني في المستقبل، ويتوجه العديد من الدول إلى التخلّي عن الدولار الأمريكي وخاصّة أن بكين لا تربط استثماراتها أو قروضها للبلدان الإفريقيّة بشروط سياسيّة. ومن شأن هذا أن يؤثّر سلباً في السيطرة الاقتصادية الأمريكية على العالم، وأن يدفع بالتضخّم إلى الارتفاع بشكل كبير في الولايات المتحدة الأمريكية.