في عيدها.. إذاعة دمشق أقدم الإذاعات العربية
أمينة عباس
في مثل هذه الأيام من العام 1947 قالها أول مرة يحيى الشهابي: “هنا دمشق” لتكون أعرق وأقدم الإذاعات العربية وإذاعات الشرق تأسيساً، وهي التي لعبت عبر الزمن دوراً معرفياً وريادياً على جميع المستويات، فانطلقت مدوّيّةً في الآفاق لتكون منارة فكرية ساهمت إلى حدّ كبير في بثّ القيم الفكرية والثقافية والاجتماعية وإيصال الرسالة المرجوة منها في شتى ألوان الفنون بعد أن تطور إرسالها وأصبحت تصل إلى جميع أنحاء العالم وبلغات عديدة.
مؤسسة معرفية
كانت بدايات الإذاعة السوريّة عبر إرسال لا يتعدى مساحة أحياء دمشق، وكانت برامجها تُبث على الهواء مباشرة، وعانى الروّاد فيها كثيراً، وكانوا أبطالاً جعلوا منها قبلة لكل الأقلام ومنارة لجميع الأصوات الغنائية ومقصداً للأدباء والشعراء والمبدعين، فأضحت مؤسسة معرفية بفضل الأيادي البيضاء التي ساهمت في تأسيسها، ويأتي في المقدمة الشاعر والإعلامي والموسيقي فخري البارودي، بالإضافة إلى نشأة التغلبي ويحيى الشهابي وعادل خياطة وسامي جانو وخلدون المالح وعبد الهادي البكار وعبلة الخوري وفؤاد شحادة، وإلى جانبهم عدد كبير من المخرجين والمعدّين والأدباء كشاكر مصطفى، خليل هنداوي، سامي الدروبي، نجاة قصاب حسن، صباح قباني، وجيلٌ آخر من المذيعين الروّاد أمثال فردوس حيدر، نجاة الجم، وغيرهما.
وحسبما روى صباح قباني أن من أرسى دعائم الإذاعة السورية هو أحمد عسة الذي استقطب المواهب والطاقات المبدعة والجيل الأول من الممثلين الروّاد، وكان مديراً عاماً للإذاعة السورية، وهو الذي وجّه بتشكيل أول فرقة موسيقية متفرغة فقط للإذاعة، وكانت تضم أبرز الموسيقيين أمثال عمر النقشبندي، ياسين العاشق، ميشيل عوض، عبود عبد العال، ثم انضم إليهم سليم سروة وعبد الفتاح سكر، كما وجه في مطلع الخمسينيات بإصدار مجلة الإذاعة السورية التي تحولت فيما بعد إلى مجلة “هنا دمشق” والتي استقطبت أبرز رجالات الفكر والأدب والصحافة.
استقطبت عمالقة الطرب
ويُحسب لإذاعة دمشق أنها استطاعت استقطاب الفنانين العرب الذين سطع نجمهم واشتهروا من خلالها، ومن أبرزهم الرحابنة وفيروز، وذلك بعد أن خصص لهم الشهابي فترة أسبوعين على الهواء من بثها وكانت أول إطلالة للرحابنة عبر أغنية “عتاب” وأغنيات شعبية وبعض الاسكيتشات، وما يزال أرشيفها يضم معظم أعمالهم التي انطلقوا منها إلى مسرح معرض دمشق الدولي، حيث كانوا في كل موسم يجهزون عملاً غنائياً لدمشق وفاءً منهم ولردّ الجميل، وأقام عاصي الرحباني حفلة خطبته من فيروز في استديو الموسيقا في إذاعة دمشق، كما طلب الرحابنة من الشهابي موفداً من الإذاعة السورية لتعليمها اللهجة الشامية في الأغاني الشعبية التي سجلتها، وتمّ إيفاد المطرب معن دندشي لهذه المهمة، ومن هذه الإذاعة اشتهر أيضاً وديع الصافي، عبد الحليم حافظ، نهاوند، نجاح سلام، سعاد محمد، فايزة أحمد، وآخرون، ومن المطربين السوريين انطلق منها رفيق شكري، نجيب السراج، عدنان قريش، فتى دمشق، سهام رفقي، ثم انضم إليهم صباح فخري، محمد خيري وفهد بلان، كما نجحت إذاعة دمشق في بث المونولوجات وخصصت لها فقرات على الهواء وكانت تُقدّم لوحات ساخرة وناقدة برع فيها سلامة الأغواني وعبد الله المدرس.
وفي مجال الموسيقا، استقطبت الإذاعة كبار عمالقة الطرب والموسيقا العربية، إذ زارها الموسيقار محمد عبد الوهاب والملحن بليغ حمدي وآخرون، وقدمت من الملحنين السوريين: محمد محسن، عبد الغني الشيخ، عزيز غنام، عمر النقشبندي، سهيل عرفة، عبد الفتاح سكر، وآخرين.
الدراما الإذاعية
كان للدراما الإذاعية دور كبير في تشكيل الوعي الفكري والثقافي، وتصدى لهذا الجانب القصاص الشعبي حكمت محسن، إلى جانب جيل الروّاد ونجوم الدراما السورية أمثال دريد لحام، نهاد قلعي، عبد اللطيف فتحي، تيسير السعدي، فهد كعيكاتي، أنور البابا، وكانت تُقدّم هذه الأعمال على الهواء مباشرةً من دون تسجيل، في حين كانت الأسر السورية تتابع في شهر رمضان المبارك الإذاعة في جميع برامجها لأنها كانت الوسيلة الترفيهية والثقافية الوحيدة حينذاك، وكانت تضج بالأعمال والإنتاجات المميزة من برامج منوعة ومسابقات، وكان معظم الناس في الأرياف ينتظرون الإفطار على صوت إذاعة دمشق التي قدمت برامج ظلت خالدة في الأذهان كبرنامج “مرحبا يا صباح” الذي كانت تقدمه نجاة الجم ومنير الأحمد، وبرنامج “ما يطلبه المستمعون” للإعلامية فردوس حيدر، وبرنامج “حكم العدالة” لـ هائل اليوسفي، وبرنامج “مجلة الإذاعة” الذي بدأ مع فؤاد شحادة.
كنوز ثمينة
عرفت إذاعة دمشق بأرشيفها الذي يحوي كنوزاً ثمينة من البرامج والتمثيليات والأغنيات النادرة، فهناك الكثير من أعمال فيروز ومسرحياتها غير موجودة إلا في الإذاعة السورية مع حفلات أم كلثوم المسجلة في مسرح مدرسة اللاييك وفي حلب وحمص وأعمال غنائية لعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وحفلات أضواء المدينة والكثير من الأعمال الموسيقية والمقطوعات والاسكتشات النادرة.