مأزق أمريكا.. من غزة إلى سورية
علي اليوسف
لا تريد الولايات المتحدة الأمريكية مواجهة الحقيقة في منطقتنا والشرق الأوسط عموماً، بل نراها تهرب إلى الأمام في محاولة لإظهار أهمية حجمها وقوتها على الأرض. فالإدارة الأمريكية – الدولة العميقة – تدرك أن العدوان على سورية بلا جدوى، لأنه لن يوقف الهجمات ضد قواعدها غير الشرعية التي تلقّت ضرباتٍ في التنف وعين الأسد وكونيكو، في رسالة واضحة لا تحتاج إلى كثير من التفسير. أما ما يحتاج إلى الإحاطة والتفسير فهو أن الإدارة الأمريكية تغامر بوجودها وجنودها في عموم المنطقة، في وقت كان المطلوب منها أن توقف مجرم الحرب “نتنياهو”، وحرب الإبادة الجماعية في غزة. لكن رغم هذه البديهية يبدو أن إدارة بايدن تسير مع هذا المجرم في المغامرات العسكرية غير محسوبة العواقب نفسها. وحتى إن كان لدى الإدارة الأمريكية خطط خفية، هنا وهناك، إلا أن هذه المغامرة لن تغيّر من حقيقة التحولات الإستراتيجية التي تحصل في المنطقة، ففشل العدوان الإسرائيلي على غزة، وفشل الاحتلال الأمريكي في تحقيق أهدافه في سورية، يشكّلان أحد أهم تجليات هذه التحوّلات، وهذه البيئة الإقليمية الجديدة، التي تشي بأنها ستكون كارثية على مستقبل مركزية الولايات المتحدة في النظام الدولي، وخاصةً أن هناك خصوماً دوليين كباراً يترقبون بفارغ الصبر وقوعها في مثل هذا الخطأ التاريخي.
الضربات، إذاً، ليست سوى محاولة لرد الاعتبار، وليست سوى ردّة فعل استعراضية أمام مشهد جثث وجرحى الجنود الأمريكيين الذين عادوا بالأكفان إلى بلادهم لقطع الطريق على المتاجرة بهذا الحدث، وهي – أي الولايات المتحدة – في موسم الانتخابات، وعلى بوادر الانشقاق والحرب الأهلية في تكساس وغيرها من الولايات الأخرى. لكن ماذا لو قتل جنود أمريكيون إضافيون؟ وماذا لو تحوّل الجنود الأمريكيون داخل القواعد الأمريكية غير الشرعية في العراق وسورية إلى رهائن؟.
حتى اليوم، هناك مواجهات عسكرية وحرب مستمرة، والولايات المتحدة لا تريد البحث عن مقاربة سياسية، بل نراها تترك الأمور للاضطراب، فهي تدّعي أنها لا تريد توسيع نطاق الحرب، وفي المقابل تريد تحقيق أهدافها بأقل الخسائر، فهي تريد تحقيق أهدافها دون استنزاف مصالحها، ودون توسيع صراعاتها. وبالتالي هدفها فقط هو تحقيق الأهداف بضريبة وخسائر أقل، لكنها لا تدرك أن العدوان على سورية والعراق واليمن، والعدوان الإسرائيلي على غزة والضفة والقدس ولبنان، يصبّ في تأجيج صراع لا أحد يعرف أين سينتهي. فالذرائع والأكاذيب التي تروّج لها الإدارة الأمريكية كلها غير مجدية أمام وجود غير شرعي، ودعم للإرهابيين والانفصاليين، واحتلال أجزاء من سورية، ومساندة الكيان الصهيوني في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، وهي جميعها دليل لا يقبل الشك على أن السمة الصريحة للإدارة الأمريكية أنها دولة رعاة بقر لا تحترم ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، بل هدفها الدائم انتهاك سيادة الدول، ومنها سورية التي دأبت على زعزعة الاستقرار فيها، بما في ذلك من خلال أعمال العدوان للتحالف الدولي المزعوم الذي أنشأته، منذ عام 2014، ودعمها المفضوح للإرهاب، وقتل المدنيين، ونهبها المستمر للثروات الوطنية السورية.
إن احتلال القوات الأمريكية لأجزاء من الأراضي السورية لا يمكن أن يستمر، ورفض وجود أية قوات محتلة غير شرعية مستمر حتى تحرير كامل الأراضي السورية من كل إرهاب واحتلال.