نظرة قاصرة!
حسن النابلسي
لاشك أن ما يشهده سعر صرف الليرة مقابل الدولار من تذبذبات حادة يدلّ على هشاشة السياسة النقدية، وعدم نجاعة إجراءاتها التقليدية المتمثلة بتقييد السيولة من خلال تحديد سقف السحوبات!
لكن في حقيقة الأمر، لا يتحمل مصرف سورية المركزي المسؤولية وحده، بل يشاطره بذلك الفريق الاقتصادي الذي تراجع مفهوم الإنتاج في أجنداته إلى مراتب متأخرة، معتمداً “عقلية الجباية” لترميم إيرادات الخزينة العامة للدولة – ولنا برفع رسوم جمركة الموبايلات مثال صارخ في هذا الشأن – ولعلّ المفارقة هنا أن هذا الأمر يتعارض مع التوجه الرقمي للحكومة؛ يضاف إلى هذا تركيز الاهتمام على المنشآت الريعية، ولاسيما السياحية، لاعتبارات تتعلق ربما بسرعة استرداد رأس المال على عكس نظيرتها الإنتاجية!
يوحي الارتفاع المستمر للأسعار بأن الحكومة تعوّل على قدرة المواطن على تحمّل مزيد من الضغط المعيشي الذي تجاوز المعقول بأشواط، وإذا ما علمنا أن الغالبية الكبرى من المواطنين تعيش حدّ الكفاف اليومي، فإن الانطباع المتولد لدى الحكومة –بلا شك – ينبئ برؤية قصيرة النظر، ما يحول دون أي تغيير بالمشهد المعيشي!
بالتوازي مع ذلك، ثمة استمرار بتردي الواقع الخدمي أيضاً، ولاسيما بالكهرباء والماء، ناهيكم عما يشهده القطاع التربوي من تدهور!
لقد أضحى الهمّ الأساسي للمواطن اللهاث اليومي لتأمين أدنى احتياجاته الأساسية على مدار الـ 24 ساعة، نظراً لنأي الحكومة، ممثلة بجهاتها المعنية، عن أبسط أدوارها!
ولعلّ الأخطر في هذا السياق هو الوضع النفسي المتأزم الناتج عن عما سبق ذكره، وانعكاس ذلك بالضرورة على الأخلاق والمسلكيات العامة التي بدأت بالظهور بالفعل، وتتجسد بازدياد حالات السرقات والجرائم لأسباب كثيرة بعضها ليس بالبعيد عن الفقر والعوز!
لن نسهب كثيراً بالحديث عن واقع بات ملموساً وملحوظاً لدى القاصي والداني، وسنكتفي بالإشارة إلى أنه مهما بلغت قيمة فاتورة تأمين الحد الأدنى من المستوى المعيشي والخدمي، ستبقى أقل بكثير من فاتورة إصلاح ما يمكن إصلاحه من تداعيات حتمية لهذا الواقع في المستقبل، وبالتالي لابد من بصيرة حكومية نافذة تدرك أهمية الاشتغال على تجاوز ما يعتري الاقتصاد من تحديات جسام – وإن كانت تكلفتها كبيرة – عسى أن تقينا بالتالي شرّ الوقوع في ما لا تحمد عقباه!
hasanla@yahoo.com