هل ستشهد الولايات المتحدة حرباً أهلية؟
ريا خوري
ازدادت حدّة النزاع الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية وتحديداً في ولاية تكساس، ففي التاسع عشر من كانون الثاني الماضي، وقّع حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت، على مشروع قانون مثير للجدل، يجرِّم الدخول غير القانوني إلى الولاية الواقعة جنوبي الولايات المتحدة على الحدود مع المكسيك، وهو ما يخالف اختصاص السلطات الفيدرالية في الولايات المتحدة.
ورداً على مشروع القانون رفعت وزارة العدل الأمريكية دعوى قضائية في الرابع من كانون الثاني الماضي، ضد ولاية تكساس، لمنع مسؤولي الولاية من اعتقال المهاجرين غير الشرعيين والأمر بترحيلهم إلى البلدان التي قَدِموا منها.
وهذا ما دفع المدّعية العامة المساعدة فانيتا غوبتا إلى القول: إنَّه بموجب بند السيادة في الدستور الأمريكي، وسابقة المحكمة العليا الطويلة الأمد، فإنَّ الولايات المتحدة لا يمكنها اعتماد قوانين الهجرة التي تتعارض مع الإطار الذي سنَّه الكونغرس الأمريكي بمجلسيه.
وفي الثاني والعشرين من كانون الثاني، قرَّرت المحكمة العليا الأمريكية بأغلبية خمسة أصوات مقابل أربعة، السماح لوكلاء حرس الحدود الفيدراليين بإزالة الأسلاك الشائكة التي أقامها القادة والمسؤولون في ولاية تكساس على الحدود؛ ما دفع الولاية الجمهورية إلى رفض الإجراء، والدفع بالحرس الوطني إلى الحدود مع المكسيك.
فعندما تقرّر ولاية تكساس تحدّي الحكومة الفيدرالية وترفض نشر حرس الحدود الفيدراليين في أهم منطقة يعبر منها اللاجئون وهي منطقة (إيغل باس) الواقعة على الحدود مع المكسيك لإزالة الأسلاك الشائكة التي تمنع تدفق المهاجرين الذين وصفهم حاكم الولاية غريغ أبوت بــ(الغزاة)، هذا يعني بوضوح أنَّ العلاقات بين الولايات الفيدرالية في الولايات المتحدة تواجه أزمة كبيرة غير مسبوقة، وأنَّ ما كان يتم التحذير منه باستمرار بخصوص تمرَد بعض الولايات، ووجود مؤشر واضح على حرب أهلية تلوح في الأفق ليس بعيداً عن التحقق، وخاصة مع تعالي أصوات المطالبين باستقلال تكساس وإرسال المهاجرين العابرين لولاية تكساس إلى البلدات والمناطق التي يحكمها الديمقراطيون، حيث تم إرسال أكثر من مائة وخمسة آلاف مهاجر إلى الولايات الأخرى، مع العلم أنَّ ولاية تكساس تعدّ ثاني أكبر ولاية في أمريكا من حيث السكان والمساحة.
وسبب هذا الخلاف الحاد بين الولاية الأمريكية الجنوبية والحكومة الفيدرالية هو الصراع القائم حول قانون الهجرة بين الديمقراطيين والجمهوريين. وقد بلغ هذا الصراع خلال المعركة الرئاسية والانتخابات القادمة مداه، ويبدو أنه سوف ينحصر بين الرئيس الحالي جو بايدن من الحزب الديمقراطي والرئيس السابق دونالد ترامب من الحزب الجمهوري. وما جرى يوم الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني الماضي هو أنَّ الرئيس السابق والمرشح لمنصب الرئاسة ترامب دعا الولايات الجمهورية إلى دعم ومساندة ولاية تكساس في مواجهة (غزو) المهاجرين. وهذا الموقف دفع كيفن ستيت حاكم ولاية أوكلاهوما ليعلن دعم ولاية تكساس في الدفاع عن نفسها، والقول: إنَّ ما يجري سيكون بمنزلة برميل بارود يستحق التوتر. وفي أثناء تلك الصراعات الداخلية أعلنت جمعية الحكام الجمهوريين تضامنها مع حاكم ولاية تكساس وتأييدها له في استخدام كل ما هو متاح له من أدوات استراتيجية، من بينها الحواجز والأسوار الشائكة لتأمين الحدود والحفاظ على أمنها.
في حقيقة الأمر، الدعوة للانفصال عن المركز ازدادت مع طلب ولاية كاليفورنيا الانفصال والاستقلال التام، فقد شهدت العديد من الولايات خلال السنوات القليلة الماضية دعوات للتقسيم أو الانفصال، على الرغم من أنَّ الدستور الأمريكي لا يعترف بحق الولايات في الانفصال أو الاستقلال الذاتي، لكن قد تؤدّي التحرّكات الانفصاليىة المتزايدة إلى أعمال عنف، لم تشهد أمريكا مثيلاً لها. وهذا ما دفع العديد من الباحثين الاستراتيجيين إلى الاتفاق على فكرة أنَّ الولايات المتحدة ليست بمنأى عن الحروب الأهلية والحروب الداخلية، وخاصة أن ذكرى الحرب الأهلية التي جرت بين أعوام 1861 – 1865، وما أدّت إليه من ضحايا تجاوز عددهم أكثر من ستمئة وخمسة وعشرين ألفاً تمثل هاجساً متجدّداً للأمريكيين الذين يخشون تكرارها في حال فوز ترامب أو خسارته.
الجدير بالذكر أنَّ حاكم ولاية تكساس رفض قرار المحكمة العليا السماح لحرس الحدود بإزالة الأسلاك الشائكة وأجهزة المراقبة، وتضامن معه خمسة وعشرون حاكماً من حكام الولايات الخاضعة لحكم الجمهوريين، بتقديم الدعم الكامل لها للدفاع عن نفسها، وقالوا في بيان مشترك بوضوح كبير: (نحن نفعل ذلك جزئياً لأن إدارة الرئيس جو بايدن ترفض تطبيق قوانين الهجرة الموجودة بالفعل ضمن التشريعات والقوانين الناظمة، وتسمح بشكل غير قانوني بالإفراج المشروط الجماعي عن الذين دخلوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير قانوني). الواضح في الأمر أنَّ الولايات التي تخضع لحكم الجمهوريين تلبّي دعوة ترامب إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية على الحدود الجنوبية، وهذا يعني التمهيد لموجة خلافات جديدة وموجة أعاصير سياسية ودبلوماسية قد تضرب البلاد بقوة، وتثير حالات القلق والمخاوف من حرب أهلية دامية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وتصاعد الدعوات الانفصالية في أكثر من ولاية من ولايات أمريكا، وخاصة تلك التي ترى أنها مثقلة بأعباء كبيرة ليس لديها قدرة على تحمّلها نتيجة ثقلها.