هل يتفكّك الاتحاد الأوروبي؟
تقرير إخباري
ربّما يكون انسحاب ألمانيا من الاتحاد الأوروبي أكبر إسفين يمكن أن يدقّ في نعش الاتحاد الأوروبي المتهالك، فألمانيا تساهم في خمس ميزانية الاتحاد الأوروبي، وتعدّ الحامل الرئيس لهذا الاقتصاد، وبالتالي سيؤدّي خروجها من الاتحاد إلى ضربة كبيرة لميزانية الاتحاد، وهي التي تعدّ أكبر مساهم غير مستفيد ماديّاً من ميزانية الاتحاد، بينما يستفيد العديد من دول الاتحاد الفقيرة من مساهمتها. وإذا كان الحجم المقدر لميزانية الاتحاد الأوروبي لعام 2024 هو 143 مليار يورو، منها 137 ملياراً من الاستثمارات المباشرة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فإن ألمانيا تستثمر أكثر من 30.3 مليار يورو، وهو ما يمثل 21.2% من إجمالي ميزانية الاتحاد، وفقاً للبيانات الإحصائية الأوروبية.
ولكن عواقب “ديكسيت” الألماني لا يمكن مطلقاً أن تُقاس بعواقب “بريكسيت” البريطاني، حيث إن ألمانيا تمثّل العمود الفقري للاتحاد ورافعة النمو فيه، وهذا يعني أن خروج ألمانيا المحتمل من الاتحاد الأوروبي سيؤدّي إلى إلحاق الضرر بالدول الأعضاء في الاتحاد، وخاصة الدول التي تساهم في الميزانية بأقل ممّا تتلقاه منها، مثل بولندا أكبر المستفيدين، حيث تلقت 16.6 مليار يورو في عام 2022، وإسبانيا في المركز الثاني بـ(13 مليار يورو) وهي التي تساهم بـ12.7 من ميزانيّته، وإيطاليا في المركز الثالث بـ(8.4 مليارات يورو) وهي ثالث مساهمة فيه.
وعلى خلفية تصريحات أليس فايدل الرئيسة المشاركة لحزب “البديل من أجل ألمانيا”، بأن الحزب سيصرّ على إجراء استفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي على غرار بريطانيا إذا وصل إلى السلطة، بدأت التكهّنات في أوروبا حول مصير حالة الاتحاد، فحالياً توجد سوق واحدة داخل الاتحاد الأوروبي تسمح للسلع والخدمات ورأس المال بالتحرك بحرية عبر أراضي الاتحاد الأوروبي، ولكن بعد الانسحاب ستكون التجارة المتبادلة بين الاتحاد الأوروبي وألمانيا مقيدة بإجراءات إدارية ورسوم، وهذا سيوسّع دائرة الانكماش في الاقتصاد الأوروبي، وسيتعيّن على الأوروبيين الذين انتقلوا للعمل بحرية في ألمانيا التقدم بطلب للحصول على تأشيرات وتصاريح عمل، فضلاً عن التأثير المباشر لخروج ألمانيا المحتمل على الناتج المحلي الإجمالي.
وإذا لم نأخذ في الاعتبار حقيقة أن الاقتصاد البريطاني كان أقل اندماجاً في الاتحاد الأوروبي من الاقتصاد الألماني في الوقت الحالي، فإن الخسارة المباشرة للناتج المحلي الإجمالي الألماني من “التنفيذ المباشر” المحتمل يمكن أن تصل إلى 227 مليار يورو.
وفي السياق، أشار مكسيم أوسادشي رئيس القسم التحليلي في بنك “بي كي إف” تعليقاً على بيان فايدل، إلى أن احتمال الانسحاب “منخفض للغاية، ومع ذلك إذا حدث فمن المرجّح جداً أن يؤدّي إلى انهيار الاتحاد الأوروبي لأن ألمانيا هي جوهر هذا الاتحاد”، بينما رأى ألكسندر باختين خبير الاستثمارات الاستراتيجية، أنه “من المستحيل ببساطة تخيل اتحاد دون ألمانيا. سيناريو “ديكسيت” هو سيناريو يتم فيه فك قاطرة من القطار”، مشيراً إلى أن عمليات التفكك في القارة ستتسارع بشكل حاد.
وفي المحصّلة، يبدو أن الولايات المتحدة استطاعت أن تجرّ الاتحاد الأوروبي بدوله كافة إلى هذه الحالة ليسهل عليها مجدّداً إعادة هذه الدول إلى الحالة الاستهلاكية للمنتجات الأمريكية، وهذا ما ظهر جليّاً بعد تمكّنها من فصل الاتحاد عن روسيا.
طلال ياسر الزعبي