بمناسبة المناسبة.. هل بقي الحبّ للحبيب الأوّل.. الإذاعة؟
نجوى صليبه
لن أبدأ بمقدمة تاريخية وتوصيفية وتوثيقة لنشأة الإذاعة ومراحل تطوّرها وأسماء المذيعين والمذيعات الذين عملوا في كلّ مرحلة، لكن سنطرح السّؤال مباشرة.. هل ما تزال الإذاعة معشوقة الجماهير، وحبّهم الأوّل في ظلّ التطّور التّكنولوجي الهائل الذي سمح لكلّ شخص أن يبثّ عبر حساباته على وسائل التّواصل الاجتماعي المتنوّعة ما شاء من أخبار ومقاطع مصوّرة وأغنيات وتسجيلات ومسلسلات باهرة الصّور؟ ففي كلّ مرّة تكون كلّ الظّروف والمعطيات باتّجاه تأكيد تلاشي عصر الإذاعة، يحدث أمرّ يغيّر مسير الدّفة، تماماً كما حصل بالتّلفاز، حين ظهرت الجوّالات وقلنا إنّه يذوب مقابلها وتقتنياتها، لكنّه ما يزال إلى اليوم يثبت أنّه موجود، ولا يمكن لأي شخص أن يجهّز منزله من دون أن يضمّ أثاثه شاشة تلفاز.
تقول المطربة بادية حسن: “أستمع إلى الإذاعة وأنا في السّيارة، لأنّ الجوّالات ووسائل التّواصل الاجتماعي هي الغالبة في المنزل، وأجمل اللقاءات الإعلامية التي أجريتها كانت إذاعية سواء في سورية أم مصر أو لبنان أم الإمارات، فالإذاعة تضيف على الجمال جمالاً، وتفتح الباب أمام الخيال الذي يكون في مرّات كثيرة أجمل من الواقع، على سبيل المثال نذكر هنا أنّ الجمهور العربي تعلّق بصوت الإعلامية هيام الحموي قبل أن يراها، وتابعها عبر المحطات الإذاعية المتعددة التي عملت فيها، وخلق شخصية مذيعة ملكة جمال وهي جميلة أيضاً، مبينةً: “هذا بالإضافة إلى البرامج الإذاعية التي ما تزال مستمرة بالنّجاح ذاته كبرنامج “حكم العدالة”، أنا حتّى الأغنية أحبّ أن أتفاجأ بها وأسمعها من الإذاعة أكثر من أن أبحث عنها، لأنّها تأتي كزائر جميل خفيف الظّلّ”.
وعلى ما يبدو أنّ الإذاعة تكوّن بشكل أو بآخر ذائقة مختلفة لا توجد في الوسائل الإعلامية أو التّرفيهية الأخرى، إذ تؤيّد الزّميلة هبة أحمد ما ذكرته بادية حسن حول الخيال فتقول: “لماذا أستمع إلى الإذاعة؟ لأنّها تحرّك للخيال، وتمكّنني من رسم الصّورة التي أحبّ للأشخاص والأماكن وغيرهما، على خلاف التّلفاز الذي يقدّم صورة في كثير من الأحيان لا ندري إلى أي مدى تكون واقعية”.
لكن هل يبقى الحبّ على حاله؟ أم تغيّره الظّروف الذّاتية والخارجية؟ تبيّن أحمد: “على الرّغم من أنّني من محبّي الإذاعة، ومستمعيها منذ أيام المدرسة، لكنّني بُتّ أستمع إليها على فترات وليس بشكل دائم، لأسباب مختلفة منها ما يتعلّق بتوقّف البرامج التي كنت أتابعها، ومنها ما يتعلّق بضيق الوقت والانشغال، وعلى الرّغم من أنّها وسيلة منتشرة يمكن الاستماع إليها في أي مكان، لكنّها بالنّسبة إليّ تحتاج إلى طقس خاصّ، ولا أرغب بالاستمات لمجرد الاستماع، ومن الأسباب الأخرى الانقطاع الطّويل للتّيار الكهربائي الذي يحول دون تشغيل الإذاعة الوقت كلّه، لأنّنا بحاجة إلى المحافظة على شحن الجوّالات أطول مدّة ممكنة”.
المتابع للإذاعة، لابدّ وأنّه لاحظ تراجعاً في نوعية بعض البرامج ومهنية بعض العاملين فيها من معدّين ومذيعين، ولا سيّما فيما يتعلّق باللغة، وبسؤالها عمّا إذا كانت بعض الأصوات غير المناسبة للإذاعة تتسبب بتراجع متابعتها وحبّها للإذاعة، تجيب حسن: “الإذاعة مهمّة جدّاً وبحاجة إلى العناية الدّائمة بالأصوات الإذاعية وبالكتابة الإذاعية، وبالتّأكيد لم تحل بعض الأصوات غير المناسبة دون محبتي للإذاعة، لأنّي أعرف أنّ فيها ما أقبله، وفيها ما لا أقبله، ومن الأمور التي لا أقبلها الطّريقة التي تلفظ فيها بعض الحروف، فبعض المذيعات يلفظ حرف الجيم بطريقة غريبة ومستفزة جدّاً ولم نعتد عليها كعرب ولم نلفظها يوماً هكذا، وبعض المذيعات يلفظ الدّال ضاداً، ولا أعرف من أين حفظوا هذه الطّريقة أو أتوا بها.. أنا أنزعج من هذه الأمور، وأشعر بأنّها تؤذي أذني”.
ولأنّ يوم الرّابع من شباط هو عيد مولد إذاعة دمشق السّابع والسّبعين، لابدّ من الاستشهاد ها هنا ببعض الآراء والمنشورات التي كتبها بعض جمهورها عبر حساباته على وسائل التّواصل الاجتماعي، احتفالاً بالمناسبة، فالقاصّ والرّوائي عبد الله نفّاخ كتب: “إذاعة دمشق ـ عزّ الشّرق ـ التي أدركنا أيّاماً كان الاستماع إليها، فيها طقساً يومياً عند أكثر السّوريين”.
أمّا المايسترو نزيه أسعد فتذكّر الإذاعة بوفاء وإخلاص وتقدير للدّور الذي لعبته في مسيرته، يقول: “تجربتي في استوديوهاتك الموسيقية والبرامجية أكسبتني الكثير من الثقة بالذّات.. كلّ عام وبلدنا وإذاعتنا بألف خير”.
أمّا الفنّانة شكران مرتجى فدغدغت عميق المشاعر وأخلصها، تقول: “في كلّ بيت، وسيّارة، وشارع، ومكتب، كان صوت المذياع أوّل من يصدح ترحيباً بالصّباح، وكأنّه اتّفاق غير معلن على أنّه لا بدّ من أن تكون الصّباحات واحدة، فنذهب إلى المدرسة ببداية “بقطفلك بس هالمرّه” لفيروز، ونكمل ما تركناه في المنزل أو الحافلة أو الشّارع، وعندما نصل إلى المدرسة تكتمل الباقة ونحن نردد “هالمرّه بس هالمرّه بس” ويبدأ الصّباح.. من دمشق هنا العالم.. إذاعة دمشق سبع وسبعون عاماً وأنت ذاكرتنا.. نبتسم ونشمّ رائحة الماضي ورائحة أمّهاتنا، وقهوة ما يزال مذاقها عالقاً في الرّوح كلّما مرّت ذكراكِ في الخاطر”.