“عشتار” والتقاطعات بين لوحات ميسر كامل ومنحوتات سيماف حسين
ملده شويكاني
ثمة تقاطعات بين لوحات الفنان الطبيب ميسر كامل ومنحوتات سيماف حسين تلتقي عند الأنثى، فمن حالة المعاناة والانتظار إلى الانطلاق من جديد وتجاوز نقاط الضعف في المعرض الثنائي، الذي جمع بينهما في صالة عشتار بمشهدية تكاملية بين الرسم والنحت لأحدث الأعمال لهما.
الجمال الهادئ
تبقى لوحات الفنان ميسر كامل تهمس بالجمال الهادئ لتفاصيل الوجوه الأنثوية بالشفاه المكتنزة والأنف الدقيق والحاجبين الكثيفين والعيون الكحيلة بأسلوبه التعبيري، ترتبط بمكونات تشكّل حالة درامية لسردية حياتية أو صراع داخلي بين الانتظار والخيبة، بألوانه الشفافة وابتعاده عن الاكتظاط اللوني والتداخلات بالعناصر، ما يخلق تواصلاً شعورياً بين المتلقي واللوحة.
اللون الأصفر وتقاطعات
هيمن اللون الأصفر على اللوحات، ولاسيما بعض الوجوه لتعكس الرسالة التي يود الفنان إيصالها، فتظهر الأنثى هادئة على الرغم من الانفعالات الخفية التي تتلاطم بأعماقها، وثمة تقاطعات بين نساء لوحاته ليس بتفاصيل الوجه والشعر فقط، إنما بالأنامل الدقيقة والأقدام الحافية، تعبيراً عن حالة الفقد أو التشتت والضياع.
ويعنى الدكتور كامل بثوب الأنثى البسيط الملون بلون واحد والذي يتوافق مع المضمون برابط خفي يستشفه المتلقي.
دقات الساعة
في إحدى اللوحات عبّر كامل بمباشرة عن حالة الانتظار القاتل بتصوير الأنثى الحزينة المطرقة بوجهها نحو دقات الساعة البطيئة، وهي ترتدي ثوباً بسيطاً أخضر اللون إيماءة إلى الحياة المستمرة على الرغم من كل الأحزان والصعاب، في حين تنتظر أخرى وهي تتكئ على الطاولة الخشبية بثوبها السماوي تنظر للبعيد وأناملها تقترب من وريقات زهرة البنفسج.
الجدار والأسلاك الشائكة
ويبقى الجدار مع الأسلاك الشائكة حاضراً بلوحاته مرتبطاً بالأنثى التي تطمح إلى لقاء المبعدين بالطرف الآخر بإسقاطات عن الجدار الفاصل عن الأراضي المحتلة، فتظهر تارة وهي تجلس خلف الجدار تحمل حقيبة سفر صغيرة بلون ترابي إيماءة إلى الانتماء والتشبث بالأرض في حين تحلق الطائرة الورقية في السماء برمزية إلى هواجسها، لتكتمل مع صورة ثانية للأنثى التي ترتدي الثوب البني وتحمل القارب الورقي خلف الجدار.
معاناة مشتركة
اللوحة المميزة هي لوحة النساء الثلاث اللواتي ترتدين أثواباً بنية اللون، وقد صوّرهن الفنان بمشهدية جلسة نسائية تفصح عن معاناتهن الاجتماعية بإشارة السلحفاة الملقاة بالقرب منهن بدلالة الصبر.
حضور الرجل
أما الرجل فهو الحاضر الغائب في أغلب اللوحات، لكن الفنان أراد في هذا المعرض إظهاره بلوحتين، الأولى يبدو فيها بحالة احتواء وسند للأنثى بوجود الهلال الملون أيضاً بالأصفر، تعبيراً عن التفاؤل بعيداً عن وجوهه المتعبة، أما اللوحة الثانية فكانت تعبيرية مشهدية حميمية عاطفية تعيش فيها الأنثى حالة الحب بإيماءة ثوبها الأحمر الذي يكشف عن كتفيها، لكنها تبقى ضمن دائرة الوساوس والمخاوف من الرجل بدلالة الغراب فوق رأسها.
الملفت الخلفيات المنوّعة بين توظيف اللون كعنصر يعكس المضمون وبين إشارات رمزية مثل خلفية قطع البازل وإشارة الفيديو.
لغة بين اللوحة والمتلقي
توقفتُ مع كامل حول جمالية التفاصيل، فأوضح أنه يرسم لإيجاد لغة بينه وبين المتلقي لا يرسم ليتعالى على المتلقي، لذلك من الضروري أن تكون اللوحة مفهومة لخلق حوار بينها وبين المتلقي فهي كائن مثله، أعبّر فيها عن حالة شعورية للمشاركة.
وعقّب كامل على الحزن الذي يطغى على الأنثى بالقول: “إنها تواجه المجتمع وتعاني، فأردت إنصافها قدر المستطاع، وفي الوقت ذاته منحتها شيئاً من الأمل في لوحة الثنائية مع الرجل، أما التقنية فهي الرسم بالإكليريك، وأعمل على إيجاد ألوان ثانوية مبتعداً عن الألوان الصارخة.
كما سألته عن الخلفيات المنوعة، فأجاب أنه لا يخطط في اللحظة التي يرسم فيها، لكن إشارة الفيديو تعني توثيق الحدث ربما الزلزال الذي فرق الشخصيتين في لحظة.
النقص بالكمال
وفي زاوية أخرى، تألقت منحوتات سيماف حسين الرشيقة الجميلة للأنثى بحركة تتوق لفضاءات واسعة بحركة الأيدي نحو الأعلى أو بحركة الدوران، من خلال ثمانية عشر عملاً من المادة الأساسية الخشب ( التوت – السرو- الكينا- المشمش) محورها الأنثى تدور جميعها حول محور النقص بالكمال، فكلنا لدينا نقص في زاوية ما من الناحية النفسية أو الاجتماعية، فكيف نتجاوز نقاط الضعف فينا ونركز على نقاط القوة كي نجد طريقاً للتكيف والاستمرار.
إضافات وتوازن
أما عن التوازن بين الكتلة والفراغ فاستخدمته وفق الفكرة فأحياناً الفراغ يخدم فكرة العمل وخطوطه الأساسية، وأحياناً لا يحتاج إليه، لذلك لم أفرض الفراغ كأسلوب وإنما وفق فكرة العمل.
التبسيط
وتابعتُ معها حول منحوتة جسدت جسد أنثى بتفاصيله الدقيقة، أما الرأس فكان لوريقات وردة جورية بهدف إيصال رسالة بأن الأنثى لا تتوقف عن التجدد فهي تزهر في كل مرحلة من مراحل العمر، مستخدمة خشب الكينا بلونه المائل نحو البني المحمر، وفي عمل آخر اعتمدتُ على تبسيط الرأس كي لا أكون فجة بطرح الموضوع.
خامات أخرى
وعملتُ على إدخال خامات أخرى إلى الخشب مثل المعدن والزجاج بلونه الأزرق لإظهار جمالها الإلهي، ولكن بشكل بسيط لكي لا أتجاوز الخامة احتراماً لخامة الخشب الحنون التي لا تحتمل الكثير من الإضافات، وبقي لون الأخشاب كما هو بإضافة زيت الأخشاب فقط.
طقس الرقص
حضر الرجل بعملين، ثنائية الرجل والمرأة حول التوازن بينهما، أما المنحوتة الملفتة فهي الرجل منفرد يجسد إحدى حركات الرقص، فعقبت بأن الرقص يعني العبادة الطاقة التحرر وهو طقس قديم وهام جداً في حياة الإنسان.
رأي
ورأي الفنان محمد الركوعي الذي حضر المعرض أن ثمة تقارباً بأسلوب الفنان الدكتور ميسر كامل من الفنان لؤي كيالي، ومن جانب آخر فهو ليس مع حالة الاكتئاب التي تهيمن على بعض الوجوه، ومن الأجمل إضافة شيء من التفاؤل.