زيادة الرواتب تشعل أسواق الهال.. واستيراد البطاطا “قاب قوسين أو أدنى”
ميس بركات
بعيداً عن سلسلة الارتفاعات المتلاحقة لأسعار الخضار والفواكه على مدار الأشهر الماضية، كان لرفع أجور العاملين في الدولة وقعه الخاص على أسعار جميع السلع، بما فيها الخضار التي خطت خطوات أكبر من هذه الزيادة بمحاولة لابتلاعها قبل أن يحظى بها تجار السلع الأخرى، ليُعاود المواطن اليوم لهاثه وراء إيجاد حلول “ترقيعية” لتدبير الواقع الغذائي في منزله، بالاعتماد على الخضار الشتوية البحتة، التي قفزت هي الأخرى بالحدّ الأدنى خمسة آلاف ليرة في سعرها أمس، ليكون “تصفير” بقاليات الخضار وأسواق الهال من السلعة ومن المستهلكين خير شاهد على ذلك!
حجج مقولبة
ارتفاع تكاليف الإنتاج وشّح السماد والمحروقات، وغيرها من مستلزمات الزراعة، لم تشفع لبعض “الحيتان” برفع أسعار الخضار بشكل يتناسب طرداً مع الزيادة، خاصة وأن تكاليف زراعتها دُفعت قبل ارتفاع سعر المحروقات، كما أن انعكاس سعر المازوت على أجور النقل لا يتوافق أيضاً مع الآلاف المُضافة على أسعار الخضار وغيرها. وبالتالي فإن رفع أسعار الخضار اليوم غير مبرّر بأي شكل سوى أنه بات عرفاً وتقليداً مع أي ارتفاع يطرأ، بدءاً من الأجور وليس انتهاء بأسعار المحروقات والسماد و.. عدا عن اختلاف أسعار الخضار من متجر لآخر بآلاف أخرى. في المقابل، نجد أن حجج تجار الخضار جاهزة، حتى قبل سؤالهم، بأن أسعار الخضار والفواكه في موسمها تتأثر بعدد من العوامل المتداخلة، منها تكاليف الإنتاج من أجور إعداد الأرض للزراعة إلى قيمة مستلزمات الإنتاج، مروراً بأجور الحصاد أو الجني وثمن عبوات وأجور نقل وعمولات بيع، كما تتأثر بقوى العرض والطلب بالسوق ومستوى القوة الشرائية للمواطن وأسعار أسواق التصدير.
ارتفاع لاحق
في المقابل، بدا التذمر واضحاً على مزارعي الخضار والفواكه، ممن لا ناقة لهم ولا جمل في زيادة الأجور الأخيرة، والتي تنعكس عليهم سلباً لا إيجاباً، خاصّة وأنهم غير عاملين في الدولة من جهة، وغير معنيين برفع سعر الخضار التي تمّ تسويقها من قبل التّجار بسعر منخفض من أراضيهم، وبعيداً كل البعد عن السعر المطروح اليوم، والمضروب بضعف سعر الأسبوع الماضي، كما وجدت فئة المزارعين أن زيادة الأجور رافقها ارتفاع بسعر المحروقات والكثير من مستلزمات الإنتاج التي ستؤثر على أسعار الخضار التي تتمّ زراعتها اليوم، وبالتالي سنشهد ارتفاعاً مؤكداً خلال الفترة القادمة كونها ستُسوّق من أرض الفلاح بسعر مرتفع يُضاف لها الآلاف غير المنطقية وغير المدروسة التي يضيفها التجار قبل أن تصل إلى معدة المواطن الفارغة.
استيراد البطاطا
أما أهل السوق فأجمعوا على أن ارتفاع سعر المازوت أثر بشكل مخيف على أسعار الخضار، وبالتالي فإن زيادة الرواتب بريئة من رفع سعر هذه المواد تحديداً، فتكلفة سيارة نقل الخضار من الساحل إلى دمشق، بحسب أحمد الهلال رئيس مكتب التسويق في اتحاد الفلاحين، وصلت إلى 6 ملايين ليرة بعد أن كانت مليوني ليرة، ناهيك عن ارتفاع سعر البذار كون جميع البذار مستوردة، وبالتالي فإن ارتفاع أجور النقل العالمية هي الأخرى رفع سعر البذار ليشتري الفلاح اليوم البذار بالحبة والحبتين، إضافة إلى ارتفاع سعر الأسمدة أكثر من 350% عن العام الماضي لتقضي هذه العوامل مجتمعة على ما بقي من أمل بنهوض القطاع الزراعي، ولفت الهلال إلى أن تصدير الخضار والفواكه لم يتوقف خلال الفترة الماضية إلى دول الخليج والعراق، الأمر الذي كان له تأثيره السلبي على سعر المادة محلياً، وخاصّة مع الخسائر الكبيرة التي لحقت بأصحاب البيوت البلاستيكية في منطقة القدموس وبانياس، وبالتالي شح المواد الزراعية المُنتجة واستمرار تصديرها ليتجاوز اليوم سعر كيلو البندورة مثلاً الـ 11 ألف ليرة، مشيراً إلى أنه ورغم جميع ما يواجهه هذا القطاع ما زالت أسعار الخضار محلياً منخفضة مقارنة بجميع دول العالم، إلّا أن ما يعيقنا هو القدرة الشرائية الضعيفة، ونوّه الهلال بتوقف تصدير البطاطا خلال الفترة الماضية كون سعرها كان متوازناً ومرضياً للفلاح والمستهلك، إلّا أنه من المخطط استيراد 30 ألف طن منها خلال الشهر الثالث من هذا العام ريثما يتمّ إنتاج العروة الربيعية.
الزراعة في خطر
كذلك وجد الخبير التنموي أكرم عفيف أن ارتفاع سعر الخضار والفواكه اليومين الماضيين لا علاقة له بزيادة الرواتب، مرجعاً السبب لارتفاع سعر المازوت الذي أرهق الفلاحين وحوّل أغلب الأراضي الزراعية إلى أراض “بور”، لافتاً إلى أن أجور النقل اليوم أضعاف أجور “الفعالة” بعد أن ارتفع سعر المازوت من 2000 ليرة إلى 12 ألفاً، أي بما يعادل ستة أضعاف ما كانت عليه، وبالتالي فإن زيادة الرواتب ليست إلا حجة واهية لا تمتّ للواقع الزراعي الرديء اليوم بصلة، وأشار عفيف إلى أن زيادة الأجور لن تعيد القدرة الشرائية للناس، وبالتالي فإن العمل الصحيح يجب أن يكون على تحسين الواقع الزراعي الذي يعاني بالدرجة الأولى من مشكلة تمويل الإنتاج مع وقوف المصرف الزراعي مكتوف الأيدي حيال ما يحتاجه المزارعون، فالواقع الزراعي اليوم يدقّ ناقوس الخطر بعد أن بدأت الزراعة بالانهيار، وخير دليل على ذلك مادة القمح التي تمّ زراعة أقل من 50% من المساحات المتاحة لزراعته لأن التسعيرة الموضوعة له خاسرة، ولم ينفِ الخبير التنموي ارتفاع أسعار الخضار والفواكه لاحقاً أكثر من اليوم بشكل يوازي سوء إدارة الإنتاج الزراعي، وتطرق عفيف إلى أن التطبيق الخاطئ للتعليمات التنفيذية للمرسوم رقم “8” رفع الأسعار أكثر من 30%، بدلاً من خفضها والحدّ من الفساد، متسائلاً عن سبب إحجام الجهات المعنية عن تبني الخطط والبدائل التي يطرحها أهل الاختصاص من معنيين بالشأن التنموي، والتي كان آخرها إنتاج الفطر بتكلفة 5000 ليرة خلال شهرين بدلاً من شرائه بخمسين ألف ليرة ومع ذلك لم يتمّ تنبيها؟!