محاولة بريطانية لحجب الحقيقة
عناية ناصر
ليس من المستغرب أن تقترح الحكومة البريطانية الداعمة لـ”إسرائيل” تشكيل إدارة جديدة في فلسطين شرطاً مسبّقاً لوقف دائم لإطلاق النار، كما أنه ليس من المستغرب أيضاً إصرار حكومة المحافظين على ضرورة مغادرة قادة المقاومة الفلسطينية غزة. ويشير عدم الاضطلاع بأي دور في السلطة الفلسطينية “الجديدة”، إلى الطبيعة المؤيّدة لـ”إسرائيل” التي تتسم بها “الخطة الموصى بها” لمستقبل فلسطين، وبريطانيا ليست وسيطاً نزيهاً في هذا الأمر.
من المهم لفت الانتباه إلى أن وزير الخارجية البريطاني أندرو ميتشل لم يُشر إلى الاحتلال الإسرائيلي والدور القمعي الذي يلعبه في فلسطين عندما قال: إن هناك نقطتين أساسيتين و”مترابطتين بشكل معقد إذا كان سيتم تشكيل حكومة فلسطينية جديدة. النقطة الأولى هي شل قدرة المقاومة الفلسطينية على شنّ هجمات ضد “إسرائيل”. والثانية هي إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين”.
مرة أخرى، يلقي الحليف الغربي للكيان الصهيوني المسؤولية على عاتق شعب تحت الاحتلال لتمكين “وقف إطلاق النار الدائم المناسب دون العودة إلى القتال بين إسرائيل وفلسطين”، ولكن ذلك بالتأكيد يكون أكثر قابلية للتطبيق، وأكثر توافقاً مع القانون الدولي بمطالبة كيان الاحتلال “إسرائيل” بإنهاء احتلالها العسكري الوحشي كنقطة انطلاق للسلام.
لقد كان القانون الدولي واضحاً في أن: “نضال الشعوب من أجل استقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية والتحرّر من الهيمنة الاستعمارية والفصل العنصري والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة” هو أمر مشروع، بما في ذلك المقاومة. وقد تم تأكيد ذلك من جديد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1983 بالإشارة إلى بروتوكول تعديل اتفاقيات جنيف لعام 1977.
إن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي يعني عدم الحاجة إلى المقاومة المسلحة، أو الكفاح من أي نوع. وباعتبارها المعتدي – كيان الاحتلال هو، بحكم التعريف، المعتدي الفعلي – يجب أن تقع المسؤولية على عاتق “إسرائيل”، ولكن مرة أخرى يحاول سياسي غربي حجب أعين العالم، ويوضح أن المشكلة بين “إسرائيل” وفلسطين هي المقاومة الفلسطينية، وليس الاحتلال “الإسرائيلي”.
علاوة على ذلك، فإن تسليط ميتشل الضوء على نحو 130 أسيراً إسرائيلياً محتجزاً في غزة منذ 7 تشرين الأول، يتجاهل حقيقة مفادها أن “إسرائيل” احتجزت أكثر من 6300 فلسطيني منذ ذلك التاريخ المشؤوم. ويحتجز المئات رهن “الاعتقال الإداري” القديم دون تهمة أو محاكمة. لقد نسيهم حلفاء “إسرائيل” في اندفاعهم لاسترضاء كيان الفصل العنصري.
إن شعب فلسطين – في الأراضي المحتلة وفي الشتات – هو الذي يجب أن يكون له القول الفصل في الشكل الذي ينبغي أن تبدو عليه السلطة الفلسطينية الجديدة، ومن ينبغي أن يُسمح له بأن يكون جزءاً منها، وليس بريطانيا أو أي دولة غربية أخرى، وبالتأكيد ليس “إسرائيل”.
وبدلاً من الضغط من أجل بقاء المزيد من الفلسطينيين – “قادة المقاومة الفلسطينية الرئيسيين” الذين تريد بريطانيا منهم مغادرة غزة – ينبغي على ميتشل والحكومة التي يخدم فيها أن يطالبوا بالسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين والوفاء بالتزاماتهم بحقهم المشروع في العودة إلى أراضيهم. وكانت عودة اللاجئين شرطاً لعضوية “إسرائيل” في الأمم المتحدة، لكن ذلك لم يحدث أبداً، ومع ذلك لا تزال “إسرائيل” عضواً في المنظمة الدولية. لماذا؟
وينبغي إعادة الدعم المالي البريطاني لـ”الأونروا” على الفور. ومن المشين أن يتم إيقافها على أساس مزاعم لا أساس لها من الصحة حتى الآن ضد 12 فقط من أصل 30 ألف موظف في الوكالة. ومن المشكوك فيه للغاية أن الادّعاء “الإسرائيلي” ظهر في اليوم نفسه الذي أصدرت فيه محكمة العدل الدولية قرارها بشأن قضية جنوب إفريقيا ضد “إسرائيل” بتهمة الإبادة الجماعية. ولا تستطيع بريطانيا ولا أي دولة أخرى أن تتوقّع إقناع الفلسطينيين بأخذ “مقترحاتهم للسلام” على محمل الجد عندما تبدو وكأنها تتماشى مع أنغام “إسرائيل”، وهي مصمّمة على التسبّب لهم في المزيد من المشقة، وهو ما لا يؤثر في اللاجئين في غزة فحسب، بل أيضاً في أولئك المنتشرين في أنحاء الضفة الغربية ولبنان والأردن وسورية، حيث تعمل “الأونروا”.
يتعيّن على الوزراء من أمثال ميتشل أن يفهموا أنهم لن يتمكّنوا من فرض شروط السلام إذا تم استبعاد العدالة من المعادلة. والعدالة تتطلب إنهاء الاحتلال “الإسرائيلي”، ووقفاً فورياً وغير مشروط لإطلاق النار، وعودة للاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم. وكلما كانت هنالك سرعة في إدراك هذه الحقيقة، أصبح السلام الدائم ممكناً.