صحيفة البعثمحليات

تقرير حالة السكان: ارتفاع وفيات الأمهات بشكلٍ بسيط خلال الحرب

دمشق – لينا عدره

شهد الوضع الصحي قبل الحرب تطوراً ملحوظاً، ما ساهم بتصنيف سورية من بين الدول التي حققت هدف الألفية الصحي مبكراً، لينعكس ذلك على العمر المتوقع عند الولادة، والذي وصل عام 2010 إلى 73 سنة (71 للذكور، و75 للإناث)، نتيجة انخفاض الوفيات غامة، وخاصة وفيات الأطفال والرضع والاهتمام بمقومات الصحة الإنجابية وانخفاض وفيات الأمهات، وفقاً لما ذكره تقرير حالة السكان 2020، الصادر عن الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، فكيف هو وضع الصحة الإنجابية، وهل ارتفعت معدلات وفيات الأمهات أم بقيت ضمن حدودٍ معقولة في ظل الأزمة؟
إذا أخذنا الإحصائيات العالمية، سنلحظ وفقاً لما بيّنته إحصائية عام 2020 بأن هناك 800 امرأة يمتن يومياً في العالم، أي بمعدل امرأة كلّ دقيقتين، لتتصدّر البلدان المتوسطة ومنخفضة الدخل النسب العالمية بـ 95% من تلك الوفيات، ولمن لا يعلم فقد اتُخِذَ الضريح الأثري الشهير تاج محل – الذي بناه ملكٌ هندي تخليداً لذكرى زوجته المفضلة، ممتاز محل، بعيد وفاتها إثر ولادة طفلها الرابع عشر – رمزاً لوفيات الأمهات في العالم.
أما عن وضع سورية بالنسبة لوفيات الأمهات، فتشير الأرقام إلى أنها وسطية، أي ليست جيدة ولا سيئة، وفق ما بيّن اختصاصي الأمراض النسائية الدكتور رفائيل عطا الله.
عطا الله أوضح أن أشيع الأسباب لوفيات الأمهات هي نزف ما بعد الولادة، والانتانات وارتفاع الضغط، إضافةً للإجهاض غير الآمن، لافتاً إلى أن انخفاض معدل وفيات الأمهات، في بلدٍ ما، يعتبر مؤشراً على مدى اهتمام تلك البلاد بالمرأة في مختلف مراحل حياتها.

وأكد عطا الله أن 95% من أسباب الوفيات قابلة للوقاية أي يمكن تداركها، شريطةَ توفر الظروف والإمكانيات المناسبة والمتمثلة بتأمين مراكز وحدات دم وخبرة بتدبير حالات النزف ما بعد الولادة والمشيمة المندخلة، إضافة لضرورة وجود مستشفيات تغطي كامل الجغرافية السورية تتضمن مراكز عناية مشددة، وخاصةً في ظل غياب مستشفيات تخصصية، وهي إحدى أكبر المشكلات التي نعاني منها.

وأضاف بأن التخفيف من الحمول غير المرغوب بها التي تخفّف بدورها من الإجهاض غير الآمن، إضافة إلى أمر آخر مهمّ يتعلق بمراقبة ومتابعة أوضاع حوامل السكريات، وتجنّب البدانة التي قد تؤدي لاختلاطات في الحمل، جميعها أمورٌ على الرغم من خطورتها المرتفعة، إلاَّ أن التوعية أثناء الحمل كفيلةٌ بتلافيها، مؤكداً ارتفاع معدل وفيات الأمهات خلال الأزمة، لأسبابٍ عدة، أولها صعوبة الوصول إلى مكان تقديم الخدمة، وهو ما تمّت ملاحظته في المناطق الريفية أكثر من المدن وخاصةً في الليل، وثانيها زيادة معدل القيصريات بشكلٍ مرعب.

وهذا الأمر هو ما أشار إليه تقرير حالة السكان حول وفيات الأمهات، والذي أظهر أنها وعلى الرغم من تحقيق الهدف المطلوب منها قبل الأزمة، إلا أنها ارتفعت بشكلٍ بسيط خلال الحرب، فمن 52 لكل مائة ألف ولادة حية عام 2010 إلى 55،7 عام 2015 وإلى 62 عام 2018 لتتواصل متابعة الأم الحامل في محاولاتٍ مستمرة لتجاوز كل الصعوبات رغم الانخفاض الملحوظ الذي أصابها، لتبلغ عام 2015 نسبة 62% نتيجة صعوبة الوصول إلى المراكز، بعد أن كانت 87% عام 2010 مرتفعةً إلى 86% عام 2018 ومعظمها كانت متابعات من قبل طبيب مختص.

كما أشار التقرير لانخفاض الولادة تحت إشراف طبي من 96،2% عام 2010 إلى 87% عام 2018 مع تفاوتها بين المحافظات، لتتفاوت النسب أيضاً بالنسبة للزواج المبكر دون 18 سنة والذي بلغ نحو 24% على مستوى سورية، أعلاها في ريف دمشق وحلب ودرعا فوق 26% وأقلها بنسبة 18% في طرطوس واللاذقية والسويداء وحمص.

وعن أسباب زيادة وفيات الأمهات في الدول منخفضة الدخل، يرى عطا الله أن الزواج المبكر الذي يؤدي بالضرورة إلى حمل بأعمار صغيرة جداً، هو المتهم الرئيسي، وخاصةً مع ارتفاع النسب في مناطق كجنوب السودان لمعدل 1223 امرأة لكل مئة ألف ولادة حية، وهي الأسوأ عالمياً، فيما صُنِفَت فنلندا من بين أقل الدول عالمياً في وفيات الأمهات 0،9% لكل مئة ألف ولادة حية.
ومما لا شكّ فيه أنه كان للأزمة دور ملحوظ في التراجع الكبير للمؤشرات الصحية عما كانت عليه قبل الحرب، الأمر الذي أكده أيضاً تقرير حالة السكان من خلال إضاءته على النتائج الكارثية التي حلَّت بالقطاع الصحي نتيجة الاستهداف الممنهج للمجموعات الإرهابية، والذي تسبّب بخروج قسم كبير من المرافق الصحية عن الخدمة، إضافةً إلى غيرها من الخسائر في التجهيزات والبنى التحتية وصعوبة الوصول إلى الخدمة الصحية، وعودة الكثير من الأوبئة مثل ظهور إصابات شلل الأطفال بعد أن تمّ القضاء عليها عام 1999.

ولكن الخسائر الأهم تمثلت بنقصٍ كبيرٍ بالموارد البشرية بسبب الهجرة، ما أدى لانخفاض مستوى عدد من المؤشرات مثل عدد السكان لكل طبيب من 650 إلى 852 وعدد السكان لكل سرير في المشافي من 800 إلى 1656 بين عامي 2010 و2020، ومع ذلك استمرت الحكومة السورية بتقديم الخدمات الصحية مع تعزيز المخزون الاستراتيجي من الأدوية والمستلزمات الطبية، لتُظهِرَ المؤشرات الصحية ارتفاع نسبة وفيات الأطفال من 17،9 بالألف إلى 27 بالألف خلال الفترة 2010 و2015، قبل أن تعاود الانخفاض عام 2018 إلى 18،7 بالألف، لتأتي درعا والقنيطرة والحسكة الأعلى بين المحافظات، فيما كانت دمشق وحماة الأقل.

الأمر ذاته كان بالنسبة لوفيات الأطفال دون الخمس سنوات، حيث ارتفعت الوفيات من 21،4 بالألف إلى 32 بالألف وانخفضت عام 2018 إلى 23،7 بالألف، أما ما يخصّ قضايا الصحة الإنجابية ومؤشراتها ومنعكساتها على دينامية السكان فقد تمثلت في ثلاثة مستويات للخصوبة الكلية، حسب المحافظات الأولى منخفضة أقل من 2 مولود في محافظات السويداء ومتوسطة في طرطوس واللاذقية ودمشق، وتتراوح بين 2،06 و2،45 مولود ومرتفعة تزيد عن 3 مولود تنتشر في المحافظات، وتنسحب هذه الصورة بالنسبة للخصوبة الزواجية، لتنخفض كلّ من الخصوبة الكلية والزواجية خلال الأزمة.