بسنواتها التّسعين.. ألين جوفروا مستمرة برسم الحارات القديمة
أمينة عباس
لم يكن المعرض الذي أقامته صالة “زوايا”، مؤخراً، تحت عنوان “معرض لا يشبه غيره” للفنانة ألين جوفروا حدثاً عادياً في الوسط الفني أو كأي معرض آخر، بل كان احتفاء بمسيرة فنانة ذات موهبة خاصة ترسم بروح الهواية، ولم تمنعها سنواتها التي تجاوزت التسعين من التوقف عن هذه الموهبة، وهي التي عشقتها مذ كانت طفلة، لذلك حضر جمهور كبير من الفنانين والمهتمين تحية لها ولشغفها الذي ما يزال متقداً في رسم الحارات القديمة، وهي حين تعود بذاكرتها إلى خطواتها الأولى في عالم الرسم تقول لـ”البعث”: “مذ كنتُ طفلة والحارات القديمة في اللاذقية تبهرني بروعة جمالها، فكانت محرّضة لي لإحضار ريشتي وألواني وأعود لها لأرسمها، وهكذا استمررت من دون توقف، وقد أصبحت هذه الحارات والبيوت القديمة مقصدي في كل مرة”، مبينة أنها انتقلت إلى لبنان وتابعت دراستها في فنّ التصوير والفنون التشكيليّة ضمن صفوف الأكاديميّة اللّبنانيّة للفنون الجميلة في بيروت، وعُرفت هناك بتميزها في استخدام الألوان المائية التي كانت تفضّلها على سواها منذ البداية، وأنها أثناء دراستها للفن في بيروت كانت تشارك في العديد من المعارض، وقد فازت إحدى لوحاتها المائية من مشاركة لها بمعرض في صالة الأونيسكو بالجائزة الأولى، مشيرةً إلى أنها درست الفن في روما بإيطاليا، حيث أمضت حوالي السنتين فيها، ولها لوحات جسّدت فيها المدينة القديمة في روما، وأنها بعد تخرّجها أقامت معرضها الفردي الأول في بيروت عام 1975 حيث عرضت فيه بعض هذه اللوحات التي رسمتها للقسم القديم من مدينة روما خلال إقامتها في إيطاليا.
عين المُحِبة والعاشقة
يضمّ المعرض نحو ٥٧ لوحة منتقاة من حصيلة ما رسمته خلال ٦٠ عاماً، مع وجود لوحات جديدة لم تحد من خلالها عن شغفها برسم الحارات القديمة في اللاذقية وطرطوس وجبلة وحلب ودمشق التي رسمتها كما تقول بعين المُحِبة والعاشقة لها لا من خلال الذاكرة أو الصورة، بل كانت تحمل ألوانها وريشتها وتتجه إليها لترسم ما تراه العين ويشعر به القلب، وأن أكثر ما كان يسعدها ترحيب سكانها بها ومساعدتها لتنجز مهمتها، موضحةً: “تؤكد لوحاتي أننا نملك أجمل الأماكن، لكن كثيرين لا يعرفونها، ولوحاتي حرّضتهم على التعرّف عليها، لذا فالمعرض فرصة ليتعرف الجيل الجديد على هذه الحارات والأماكن القديمة التي رسمتها بكل ما تتمتّع به من جمال، ويؤسفني أن بعضها قد نالت منه الحرب، ولا أفضّل أن أعود إلى تلك الأماكن التي رسمتها وتعرّضتْ للدمار، لأني لا أحب أن أصوّر الخراب الذي أصابها ولا أريد إلا أن أختزن في ذاكرتي ذلك الجمال الذي كانت تتمتع به، ولوحاتي خير وثيقة لما كانت عليه هذه الحارات قبل الحرب”.
مستمرة في الرسم
وتؤكد جوفروا أنها مستمرة في الرسم لأنه المتنفس الحقيقي لها، ومن خلاله تعبّر عن حبها للحارات والبيوت القديمة، وأنها سعيدة جداً بهذا المعرض، منوهةً بأنها تملك نحو 300 لوحة، وأنها تكنّ محبّة لجميع الفنانين لكن نذير نبعة ونصير شورى وميلاد الشايب لهم الحصة الأكبر، وأن علاقة صداقة كانت تربطها بالراحلة ليلى نصير، معترفة بأنها كانت وما تزال بعيدة عن الوسط التشكيلي تعمل وحدها ولا تتواصل مع الجيل الجديد، ولا ترسم إلا ما تحبه، وتميل إلى المدرسة الفرنسية الانطباعية “سيزان، مونيه، كلود مانيه”، وكرسامة ترسم منذ أكثر من 60 عاماً تنصح من لديهم موهبة الرسم ألا يهملوها ليعبروا من خلالها عمّا يشعرون به.
فنانة متمكّنة
ويؤكد الناقد التشكيلي غازي عانا أن الفنانة جوفروا رسّامة من طراز خاص، تلوّن مشاهدها بحساسية عالية وعاطفة وإحساس بقيمة العناصر في لوحاتها التي وثّقت من خلالها ومنذ ستينيات القرن الماضي، وإلى اليوم الكثير من حارات مدينتها اللاذقية التي عشقتها، وهي التي تختار موضوعها دائماً من الطبيعة مباشرة، مشيراً إلى أن لوحاتها تؤكد تلك الجرأة باستخدام المادة والأداة التي اختارتهما لتنقل مباشرة ومن دون تخطيط أو رسم مسبق الموضوع الذي أمامها، وبضربات قوية وواثقة لريشة خبيرة لا تتردّد بوضع اللون الذي اختارته وليس الموجود في الطبيعة أمامها، لتعكس تلك الأعمال خصوصية حقّقتها الفنانة مبكّراً من خلال اجتهادها ومحبّتها للفن ولتك المدينة وحاراتها، بالإضافة إلى بقية المدن والبلدات التي رسمتها خلال مسيرتها الفنية التي تجاوزت الستين عاماً، ودائماً بصياغات مدهشة من بساطتها وبعيدة عن التكلّف والتزويق لغاية الجماليات الراقية في اللوحة والتي بقيت مخلصة للحالة الانطباعية والتعبيرية فيها لحظة الرسم، مبيناً أن جوفروا وثّقت معظم حارات اللاذقية مدينة وريفاً منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي إلى اليوم، والتي للأسف زال معظمها، ولم يبق لها أي أثر سوى تلك التي في لوحاتها، وقد بقيت علاقتها باللوحة هواية وغواية ولم تحترف أو تتفرّغ للفن حتى تبقى على علاقة محبّة كبيرة للوحاتها التي ترسمها بانطباعية خاصة وبمنتهى الشغف.
يُذكر أنّ ألين جوفروا نصري ولدت في اللاذقية من أم سورية وأبّ فرنسي، تقيم في اللاذقية ولها مرسم هناك، درست في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة وفي Accademia di Belle Arti في (روما- إيطاليا)، وفي عام 1957 أقامت معرضها الفردي الأول في بيروت، كما أقامت ثلاثة معارض فردية في دمشق وأربعة في اللاذقية ومعرض في حلب.