تحقيقاتصحيفة البعث

بفعل التأخير والتقصير.. “نبع الفوار” تتحول لمصب للصرف الصحي ومكب للقمامة!!

 لؤي تفاحة 

يتعجّب أهالي منطقة الفوار وما حولها من استمرار إهمال المعنيين في محافظة طرطوس لمنطقتهم التي توصف بأنها قطعة من الجنة على الأرض، فجمال طبيعتها وعذوبة ينابيعها يخطف أنظار المسافرين على الطريق بين صافيتا والدريكيش، حيث تقع المنطقة المسكونة بالجمال والتي تشتهر بشهرة واسعة بين زوارها الباحثين عن استراحة بين أحضان الطبيعة الجميلة، وخاصة في فصل الربيع، لكن للأسف تحوّل نبع الفوار وما حوله بفعل الإهمال إلى مصبّ للصرف الصحي ومكب للقمامة، ونتيجة لهذا الإهمال المزمن، بحسب قول الأهالي، دائماً ما تتعرّض المنطقة للفيضانات والغمر الكامل بسبب انسداد العبّارات جرّاء مخلفات الصرف ومياه الأمطار الغزيرة، الأمر الذي يُنذر بكارثة بيئية إذا ما استمر الوضع على حاله السيئ، والذي كان الفلاحون ومربو الدواجن هم أكثر المتضررين منه، حيث يجدون صعوبة كبيرة في الوصول إلى المزارع ومداجن إنتاج الفرج وتفقيس البيض.

شكاوى بلا صدى!
في لقاءات مع أهالي المنطقة لم يتردّدوا بالقول: إن منطقتهم مظلومة خدمياً على الرغم من كونها سياحية، قادرة على جذب آلاف السياح لو تمّ استثمارها والتسويق لها بشكل جيد، ولكن، وبحسب قولهم، يبدو أنها غائبة عن اهتمام المعنيين وربما لا يعرفون باسمها أو أين موقعها الذي يعرفه القاصي والداني!!.
وبشهادة الأهالي أن الوضع لم يعد يطاق، نظراً لمخاطره المختلفة على الصحة العامة والبيئة، وحتى مصالح وأرزاق المواطنين، جراء التدهور البيئي الناجم عن مخلفات الصرف. ولفتوا في أحاديثهم إلى أن آليات فرع الموارد المائية كانت تعمل في كل عام على تنظيف نبع الفوار وتعزيل جوانب الطريق من تراكم القصب والنباتات المائية من أجل منع حدوث اختناقات، ولكن هذا العام ومع هطول كميات كبيرة من الأمطار، بالإضافة إلى ما تمّ جرفه من مخلفات الصرف الصحي، أدى كل ذلك إلى إغلاق الطريق بالكامل وتضرّر المصالح والأرزاق، عدا عن انتشار الأمراض، وخاصة في الصيف، حيث تحوّلت المنطقة الجميلة إلى مرتع للكلاب الشاردة والقوارض وبؤرة للجراثيم والأمراض، وطالب الأهالي بضرورة السرعة بإنشاء جسر ومحطة معالجة للصرف الصحي، علماً أنه تمّ إعداد دراسة بخصوص ذلك منذ عدة سنوات، ومع ذلك لم ينفذ لأسباب مختلفة، منها تدخلات شخصية –بحسب قول الأهالي- حالت دون بناء محطة المعالجة.

ينتظرون الكتب 
المهندس محمد محرز مدير فرع الموارد المائية في طرطوس أوضح في ردّه على أسئلة “البعث” بخصوص المشكلة، أن المديرية كانت تعمل على الدوام على تعزيل مجرى النهر وتنظيفه، وهي دائماً مستعدة لهذا العمل، ولكن بناء على كتاب من قبل المحافظ ولا مشكلة بذلك، مع اعترافه أن ذلك يبقى حلاً إسعافياً ولا يمكن أن يحلّ المشكلة.
أما في مجلس مدينة الدريكيش فبيّن محمد جعفوري أن “الفوار” هي منطقة تداخل بين الدريكيش وصافيتا، مشيراً إلى أن المجلس استلم كتاباً مرسلاً من قبل المحافظ يؤكد على التنسيق مع البلدية المعنية وبقية الجهات لمعالجة هذه المشكلة بشكل فوري.

محطة مطلب محق.. ولكن!
وبرأي مدير عام شركة الصرف الصحي في طرطوس المهندس منصور منصور أن الحلّ الأمثل والأكثر فعالية للمشكلة هو ببناء محطة معالجة في المنطقة المذكورة، موضحاً أن إمكانية تنفيذ ذلك غير متوفرة، حيث التكلفة كبيرة، لكن حال توفر الاعتماد المالي المطلوب سيتمّ العمل على تجهيزها، ولاسيما أن الشركة قد وضعتها من ضمن مشاريعها القادمة والضرورية نظراً للحاجة الماسة لها.

من المسؤول؟
أمام ما تقدّم يبقى السؤال: إلى متى تبقى العديد من مناطق ريف طرطوس تعاني من مشكلات خدمية، كالتي عرضناها، وهل سيبقى الحلّ معلقاً بتوفر بند الاعتمادات المالية بحجة أن الظروف الحالية لن تسمح بتخصيص أي اعتماد لمعالجة خطر التلوث؟.

بالمختصر، المشكلة في المنطقة يشتدّ خطرها وتتراكم آثارها البيئية والصحية المدمرة يوماً بعد يوم من دون أن يسأل أحد المعنيين عن مصير الدراسات المنجزة منذ عدة سنوات، علماً أن كلفة بناء المحطات كانت “بالقروش” كما يقال واليوم أصبحت التكاليف كبيرة بفعل التأجيل والتسويف وتقاذف المسؤوليات، فمن المسؤول عن كل هذا الإهمال المتعمّد وهدر مئات الملايين فقط لإنجاز الدراسة دون تنفيذها، مما أدى إلى تفاقم المشكلة وزيادة تكاليف حلها؟!.
ونشير أخيراً إلى أن المشكلة لم تعد محصورة بمنطقة نبع الفوار، بل تكاد تكون في أغلب المناطق في الريف الطرطوسي الجميل الذي يعاني معاناة مزمنة من مشكلة الصرف الصحي الكارثي، الأمر الذي يحتاج لتضافر كل الجهود وتحمّل المسؤوليات فهل يطول الانتظار؟، سؤال نضعه برسم المعنيين على أمل الإسراع بالتنفيذ.