دورة ناجي العلي تتفوق على الدورات السابقة لمعرض “سورية الدولي للكاريكاتور”
ملده شويكاني
“وحنظلة، هذا المخلوق الذي ابتدعته، لن ينتهي من بعدي بالتأكيد، وربما لا أبالغ إذا قلت: إنني أستمر به بعد موتي” هذا ما قاله الفنان الشهيد ناجي العلي ذات يوم عن حنظلة.
ناجي العلي الحاضر الغائب بخارطة فلسطين وغصن الزيتون ومفتاح البيت الكبير والكوفية الفلسطينية بألوان وخطوط الفنانين في معرض سورية الدولي للكاريكاتور بدورته العشرين التي سُميت باسمه.
وافتتح المعرض في دار الأوبرا بحفل عُني بالتوثيق وبفيلم الكارتون والموسيقا، بإشراف منظم المعرض ومؤسسه فنان الكاريكاتور السوري العالمي رائد خليل.
سياسية واجتماعية
ضم المعرض لوحات جسدت شخصيات سياسية لها علاقة مباشرة بحرب غزة مثل لوحة “بايدن” للفنان “شهران شيرزاده” من إيران، ولوحة الفنان “فان نينتاو” من الصين بتوقيع النجمة “الإسرائيلية” على الغراب الذي يقطع غصن الزيتون، في حين تناولت لوحات أخرى مسائل اجتماعية تقوم على التناقضات والمفارقات تدور حول الفقر المدقع مثل لوحة السينما للفنان محمد حسين أكبري من إيران، التي تقارن بين حال مرتادي السينما، وحال الأطفال الفقراء الذين يرون الدجاج المشوي سينما بالنسبة إليهم، وتزييف الصورة الحقيقية بالأقنعة مثل لوحة “ميهاي إيكنات” من رومانيا، والتغييرات التي أدخلتها وسائل التواصل الاجتماعي على الحياة الخاصة والأسرية والعامة في لوحات عدة.
كما شغلت لوحات تدعو إلى نبذ العنف حيزاً من المعرض، وحضرت الطفولة بصور شتى مثل لوحة “خافيير توريس” من كوبا التي تدل على قناعة الطفل بما يكفيه.
الملفت أن ثمة تقاطعات بين عدد من الفنانين من دول متعددة ركزوا على دور الإعلام المضلل، وعلى التطور التكنولوجي بالذكاء الاصطناعي الذي سيحارب الإنسان مستقبلاً.
وتنوعت الأساليب بين خصوصية رسم الكاريكاتور، والفكرة المبطنة من الرسم الأقرب إلى الواقعي مثل لوحة وسام خليل من مصر، وبالتأكيد تميزت لوحة “أنتونيو سانتوس” من البرتغال، التي رسم فيها ناجي العلي محاطاً بالكوفية الفلسطينية التي تمتد لحمامة السلام الحاملة غصن الزيتون بحضور حنظلة.
ولم يخلُ من الفكاهة مثل لوحة “فالنتين جورجيف” من بلغاريا بصورة الرجل المسنّ الذي يحاول أن برى الوجه الآخر للوحة.
الإنسان المقاوم بصمت
وبعد أن تجولت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح بأرجاء المعرض، متوقفة مع الفنان رائد خليل عند اللوحات، تحدثت للإعلاميين عن ناجي العلي الذي ابتكر شخصية حنظلة التي ما تزال عالقة بأذهان الجميع ومستخدمة، وترمز إلى الإنسان الذي يبدو أنه منكسر، لكنه يقاوم بصمت وبثبات، وهذا حالنا في سورية بعد الحرب والحصار، وما يحدث في غزة من جرائم منكرة.
نقلة نوعية
وتابعت مشوّح أن عنوّنة هذا المعرض باسمه لها أبعادها، وأشادت بتنوع الأعمال بمقارباتها، منها المضحك، ومنها المبكي، وهذا حال فنّ الكاريكاتور الساخر من الألم من الديمقراطية المزيفة والشعارات الطنانة الرنانة، ومن الإعلام الذي تحوّل إلى سلاح قاتل، ومن الفقر، كله مختزل في هذه الرسومات المائة لفنانين عالميين من ثلاث وستين دولة، كما توقفت عند المستوى الفني للأعمال ونوّهت بأن دورة ناجي العلي كانت نقلة نوعية، وأن الدورات السابقة لم تكن بهذا المستوى.
الثقافة المضادة
وتحدث الفنان رائد خليل في كلمته عن فنّ الكاريكاتور السوري الذي وقف أسوة بكل أشكال الإبداع الوطني في وجه الثقافة المضادة، ولم تعد الرسوم الكاريكاتورية وسيلة للتنفيس وأداة سلبية لمخاطبة الغرائز أو المستويات الدنيا، بل أصبحت سلاحاً قومياً في بلورة الكثير من المواقف والقضايا الإنسانية، ولا يمكن أن نتخيل واقعاً ثقافياً أو إعلامياً لا يمثل الكاريكاتور حقيقة دائمة الحضور فيه.
التعبئة والنضال
وارتبطت الكلمة بفيلم توثيقي عن ناجي العلي” الشاهد والشهيد” تميز بغنى المؤثرات الصوتية والبصرية من الطبيعة الغاضبة بالبرق والرعد إلى صوت فيروز “أنا لن أنساك فلسطين” إلى صوت السارد عن الصورة التشكيلية التي خلقت حالة عشق وتناغم واندماج مع ذاكرة مفتوحة للتأمل والترقب، وشكّلت حالة تمرد ضد الاضطهاد في العالم، إلى رسومات ناجي العلي، فجسد في إحدى رسوماته فلسطين بامرأة محاصرة بالأسلاك الشائكة والظلام المخيم، ليقول:” مهمتي هي التحريض، تحريض الجماهير ضد واقعها المزري، وهذه هي حدودي، وهذا دوري، التعبئة والبقية مهمة المناضلين”، لتأتي اللحظة الغادرة حينما أطلق كاتم الصوت رصاصة، استقرت في رأسه عام 1987.
وبعد الفيلم التوثيقي عُرض فيلم كارتوني بعنوان “الوجبة الخفيفة” مضحك بدلالات رمزية للمحطة والقطار والحوار الغاضب الصامت بين المرأة المسنة والشاب الذي يضع السماعات ويصغي إلى الموسيقا، ليصل إلى أهمية العطاء في الحياة.
أعضاء التحكيم والفائزون
ثم تم التعريف بأعضاء لجنة التحكيم المؤلفة من الفنان الروماني “باول كونستانتين”، الفنان الصيني “فان لينتاو”، الفنان الأندونيسي “إيدي داوما”، الفنانة المصرية شيماء الشريف، الفنان السوري وسام أسعد، الفنان السوري موفق مخول، والناقد السينمائي السوري نضال قوشحة، والفنان السوري رائد خليل.
وفاز بالجائزة الأولى إسماعيل بابائي من إيران ، وقال في شهادته التسجيلية المصوّرة: “سورية كارتون واحد من أفضل ثلاثة مواقع في العالم”.
وفاز بالجائزة الثانية “آنا تولني رودين” من روسيا، والجائزة الثالثة لـ”خافيير توريس” من كوبا.
كما عُرضت شهادات من بعض الفنانين المشاركين أشادوا فيها بحضارة سورية وبمعرض الكاريكاتور العالمي.
ثم قدمت وزيرة الثقافة والفنان رائد خليل شهادات التكريم على أعضاء لجنة التحكيم والمايسترو عدنان فتح الله، واستلم الشهادة نيابة عن الفنان الإيراني المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق الدكتور “مهدي خالقي راد”، وعن الفنان الروسي مدير مركز الثقافي الروسي في دمشق “نيكولاي سوخوف”.
الفلكلور الفلسطيني
وفي القسم الثاني من الحفل قدمت الفرقة الوطنية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله مجموعة أغنيات تحتفي بفلسطين بغناء الكورال، وافتتحت برنامجها بمقطوعة للموسيقا الآلية تأليف المايسترو كمال سكيكر “تحية إلى الشهيد”، بدور النحاسيات والطبل الكبير والتيمباني والتشيللو مع الفرقة، ثم غنى الكورال “يا فلسطيني مجدك ارفع” بدور خاص للناي، ومن الفلكلور الفلسطيني، “شدوا بعضكم” بمرافقة البيانو لصوت المرأة المسنة في المقدمة، ومن ثم تابع الكورال مع الفرقة، كما شارك رماح شلغين بأغنية خاصة لفلسطين “تاجك لونه ما بيتغير”.
كتيب وأرشيف
وعلى هامش المعرض، وزّع كتيب صادر عن الهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون بعنوان “الكلام عليكم” ويحمل الغلاف صورة ناجي العلي، ضم بين صفحاته مقتطفات من منشورات موقع الكارتون السوري، ومن تاريخ الصحافة السورية، ومن أرشيف الراحل شمس الدين العجلاني، بالإضافة إلى بعض لوحات ناجي العلي وأقواله، وبعض اللوحات المشاركة بالمعرض، أما الغلاف الخلفي فخصص للفنان الليبي الراحل محمد الزواوي.
رأي
ومن أعضاء التحكيم، تحدث الفنان موفق مخول عن الفنان ناجي العلي الغني فكرياً ووطنياً، إذ استطاع أن يوصل القضية الفلسطينية إلى أبعد مدى، وأثّر بالكاريكاتير العالمي، أما عن هذا المعرض الذي حمل اسمه وتزامن مع المقاومة الفلسطينية فكانت اللوحات متنوعة، ونعمل على تكريم المبدعين بكل الدورات.
أما الفنان محمد الركوعي، فتحدث عن ناجي العلي باسمه الكبير بالمقاومة والثقافة الفلسطينية والمواقف الفلسطينية كان إعلامياً للقضية الفلسطينية، فاغتاله كيان الاحتلال في لندن، واليوم يتعرض الشعب الفلسطيني لأكبر كارثة لإبادة تامة، وعلى الرغم من الحزن نؤكد على النصر فكيان الاحتلال الإسرائيلي آخر احتلال في العالم.
ويبقى التساؤل: لماذا غاب عدد كبير من التشكيليين عن هذا المعرض الدولي؟.