الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

برجوازية روح البسطاء ووردة عيد الحب الحمراء

غالية خوجة

نبضات المحبة والتعاون والألفة والمودة وأفعال الخير لا تحتاج إلى يوم خاص لتبرهن عن محبتنا، لأنها ديدن يومي يعرفه البسطاء في تعاضدهم، وقد يجهله الكثيرون من المصابين بمرض الجشع والفساد والأنانية والشر.

البسطاء وحدهم يوقنون أن عيد الحب ليس مجرد هدايا حمراء من دببة وألعاب وملابس وإكسسوارات وورود، بل هو المحبة الدائمة في جبر الأرواح والخواطر والجراح، وهو تلك العواطف الجيّاشة بالأخلاق والعطاء والتعاون على البرّ والمحبة من أجل المحبة الخالصة التي لا تعرف المقايضة والبدائل والعوض، وما أجمل ما قاله محمود درويش: “إنا نحب الورد لكنا نحب القمح أكثر”.

وما أكثر البسطاء المحبين في مدينتنا، تلك التي تعجّ مطاعمها ومقاهيها وأسواقها بأناس يمتلكون المال وبرجوازية الحضور الشكلي لا برجوازية الروح والعاطفة المؤثرة للآخرين والمعوزين والمحتاجين.

وحدها، برجوازية روح البسطاء والفقراء والمتعففين تعرف تلك النبضات الحمراء القانية، المشرقة بأوكسجين المحبة في عيد الحب الممتد على أيام العام، فتراهم يساعدون بعضهم بعضاً ولو “كان بهم خصاصة”، ولو كانت أسرتهم فقدت شهيداً وشهيدة، أو الأب والأم والعائلة، ولو كانوا من جرحى الوطن، ولو كانوا من المرضى أو ممن يمضون على كرسي متحرك، ولو لم يكن لديهم ما يكفيهم من قوت.

تؤلمني نبضاتي أكثر ممّا يجب وأنا أسير في شوارع وأزقة المدينة، وتدمع روحي على الكثير من المَشاهد التي لا يلتفت إليها المعنيّون، أو التي لا يهتمّ بها الآخرون، أو التي أصبحت لدى الغالبية مشاهدَ اعتيادية وعادية، لكنني لا أستطيع التآلف معها، مثل هؤلاء الناس المشردين النائمين على الأرصفة، في الشوارع، والحدائق، أو “النباشين”، أو المحشورين في المواصلات العامة، أو الطالبين من الناس بلطف أو بإلحاح، أو المعتاشين من بعض السلع مثل المحارم وعلب البسكويت وربطات الخبز واللوازم المنزلية البسيطة، أو أولئك المتسولين بكل الوسائل التقليدية والمبتكرة.

صحيح أن الورد جميل دائماً، وهو الموسيقا البرية التي يكتبها الشعراء، وتصدح بها حناجر الكثير من المطربين والمغنين، وتفرح لها قلوب الناس، وعلى الرغم من ذلك “يجرحنا الورد” ـ كما يقول درويش ـ عندما نجد أناساً من مختلف الأجيال تبيع الورود الحمراء في كل مكان، في الشوارع، والحدائق، لأجل أن توفر قوتها اليومي، وهي فئة من الناس تحتاج إلى تلك المحبة التي تمسح حزنها الداخلي، وتجفّف دمعها الروحي، وتجعل ملامحها مبتسمة ولو قليلاً.

جميعنا “نحب الحياة”، وصناعة الحياة، والعمل من أجل الحياة، وورود الحياة، لكن، كيف نحب الحياة لنكون ورودها؟.

لا أعرف إذا كان هناك من يتأمّل ليكتشف أن الوردة الحمراء التي يشتريها أحدهم من طفلة محتاجة تشعر بآلام بائعتها، واللعبة الحمراء المعروضة خلف الزجاج أو على البسطات تشعر بأولئك البسطاء، وعيد الحب يكترث بأمّ ثكلى، وعجوز وحيد يخطو التؤدة على عكاز في شوارع محتاجة للعناية، وأمّ تنتظر رؤية من غادر من أولادها، وأب يحلم بعودة شمل الأسرة إلى الماضي، وأحلام طفل يضع كتابه ودفتره وعلبة بسكويت على أحد الأرصفة، وآخر يدفع عربته الخشبية ليعيل أسرته، وأطفال يتسللون من المدارس ليلعبوا في الحدائق والشوارع؟.

جميعنا يحب الحياة، لكن، هل جميعنا يحب جميعنا؟..

لعلنا نجرّب أن نحب جميعنا لأننا نشكّل الحياة واستمراريتها المعطّرة بالمحبة وورودها المتشكّلة من الكلمات ونحن نهديها إليكم قراءنا الأعزاء، فكل يوم وأنتم بتعاضدكم عيداً للحب والحياة.